١٧‏/٩‏/٢٠٠٨

جموح

يوم جديد
مولاي وروحي في يدهﹺ

قد ضيعها ..سلمت يدهﹸ !
شعر..أحمد شوقي
قصيدة..مضناك جفاه مرقده

من شرفة منزلي رأيت سيارته قادمة ، كدأبه يقود ويترك طفله(جواد) بالخلف مربوطا بحزام الأمان خشية حركته الكثيرة ، يبدو لي المنظر كأنه يعمل سائقا لديه !..أمام بوابة رياض الأطفال المقابلة توقف ونزل ملوحا لي ، ثم أتى به وقاده من يده نحو البوابة ، لكن الطفل أفلت يده الصغيرة وعاد الى السيارة ، فعاد صديقي خلفه ، وهو يعنفه ويشير بيديه بعصبية ، ويرفع ﺇصبعه محذرا ، والصغير لا يزال على عناده متشبثا بالسيارة، ثم رأيته يجثو على ركبتيه ويهمس له بشيء وهو مبتسم ويداه تربتان على كتفيه ، ثم عاودا السير معا ، وبدا أن (جواد) رأى أحد أصحابه يمر من البوابة فاندفع نحوه بسرعة وهو يشد يد أبيه، ثم انفلت وبدأ الأب يهرول خلفه..بينما كنت أنا أتساءل:أي منهما يقود اﻵخر ؟

٧‏/٩‏/٢٠٠٨

لحظات في ظلال الأبيض

يوم جديد
فهل أستعيدك
يا وجه هذا الصفاء الذي
يتباعد عني
ويسلمني بعده
لفضاءات هم مقيم
وعبء جسيم ؟
شعر..فاروق شوشة
قصيدة..يتم
ديوان..أحبك حتى البكاء

" أمسكي يديك قليلا..اسرافك هذا لا ينفع مع الغلاء الذي نحن فيه "
مع صوت الباب الذي أغلقه من خلفه كانت تعيد جملته وهي تقلده بغضب .. كالعادة دب الشجار بينها وبين زوجها حين طالبته ببعض النقود من أجل البيت ..لا يزال يراها مبذرة تنفق في التفاهات بينما ترى هي أن تدبيرها لمصاريف البيت بهذه القروش القليلة معجزة تستحق التقدير وليس التقريع..ذهبت الى غرفتها لتغير ملابسها.. اذ كانت عائدة لتوها من عملها بالسجل المدني ، ذلك العمل الذي جاءها بعد سنوات في انتظار التعيين الحكومي وكان راتبه –على ضعفه- يعين البيت كثيرا في تكاليف المعيشة ..كان وجهها مربدا وباديا عليه الحنق..تذكرت أنها اﻵن وحدها ، فعلاء ذهب الى درس الفيزياء و(مها) تتأخر اليوم في كليتها ..تحول العبوس فجأة الى ابتسامة و بدأ عقلها يلمع بالفكرة ..
فتحت خزانة الملابس ووقفت على أطراف أصابعها لتصل ﺇلى الرف العلوي حيث ملابس الشتاء التي وضعتها به منذ دخول الصيف ..وأخرجت الفستان – وكانت تضعه قريبا تحت معطف صوفي بحيث لا تتعب كثيرا في اخراجه وفي الوقت نفسه لا يكون ظاهرا لمن يفتح الخزانة – ثم بسطته على الفراش ، وأخذتها البهجة –نفس البهجة-التي تشعر بها كلما استلقت عيناها على لونه الأبيض الناصع ..كانت قد نسيته لسنوات طويلة ..قابعا مع الملابس القديمة ..على فترات متباعدة يخرج معها لتنظيفه ثم يلقى الى سجنه من جديد ، لم يعد الى الحياة الا مع زواج ابنتها الكبرى ( مروة) ، حيث شرعت في تجهيزه لكي ترتديه في زفافها لكنها اكتشفت كم كانت واهمة حين فاجأتها (مروة) بالرفض القاطع مندهشة من أن ترتدي (شيئا بهذا القدم) ..لم تغضب لذلك ..وقبل أن تعيده لسيرته الأولى قررت-دون هدف- أن تجرب ارتداءه ..للحظات كان احساسا فريدا أن تعود الى ليلة زفافها ، ثم ضحكت من نفسها ونسيت الأمر..
" لو أن سعاد هنا !"
قالتها في نفسها وهي تخلع قميصها الرمادي الكالح وجونلتها السوداء الطويلة وتبدأ في ارتداء الفستان ..كانت سعاد صديقتها المقربة قد سافرت منذ يومين مع زوجها الى بلدته ، وهي الوحيدة التي تعرف السر وتشاركها الأمر في أغلب الأحيان..
عليها اذن أن ترتديه بنفسها وهو أمر ليس سهلا .. فالفستان الذي كان (كأنه فصّل من أجلها) كما كانت تقول والدتها وهي في الثانية والعشرين لم يعد يلائم جسدها بعد أن تخطى الخامسة والأربعين ..
"أف ! "
أطلقتها بسخط وهي تخلعه وتلقيه على الفراش بعد أن فشلت في ادخال ذراعيها في كميه الضيقين ..ووقفت تنظر اليه للحظات حتى هدأت ..ليست المرة الأولى التي ترتديه وحدها وفي كل مرة تعاني ثم تنجح في النهاية ..بهدوء وخطوات بطيئة متمهلة أدخلت رأسها ثم ذراعها اليمنى فاليسرى وشدت الفستان على جسدها ..وأطلقت زفرة ارتياح طويلة سرعان ما تبعتها ابتسامة متلهفة ..
يجب أن تجد حلا لهذا الوزن الزائد..هكذا فكرت وهي تتهيأ لبدء الاحتفال ..
أول مرت فعلتها كانت منذ عام ونصف العام.. بعد أيام من معرفتها لأول مرة أنها مصابة بمرض السكر..ورغم تأكيدات الطبيب أنه لا داعي للقلق ما دامت تأخذ العلاج بانتظام الا أن شعورا قويا تسرب اليها أن شيئا داخلها قد فقد ولم يعد يمكن استعادته ..حينها تذكرت الفستان ، وجربت الأمر كلعبة عابثة بسيطة ..بعدها بدأت الطقوس تزداد شيئا فشيئا حتى غدا لها نظام معروف ودقيق..بل مقدس..
أول شيء هو تجهيز المكان..كرسيا الصالون الضخمان في الواجهة -لا تنسى أن تخفي القطع في قماش أحدهما بمفرش أبيض صغير-ثم كراسي المدخل على شكل نصف دائرة تتوسطها المائدة الرخامية الصغيرة بعد أن تزيل من عليها كوب الشاي والجريدة ومطفأة السجائر ، وتضع في وسطها المزهرية وبها بعض من الزهور الصناعية الرخيصة ..ثم تحضر كأسا من الخزانة ذات الواجهة الزجاجية ..حيث الكئوس التي لا تخرج الا في المناسبات الخاصة وللضيوف نادري الزيارة..وتذهب الى المطبخ لتحضّر بعضا من الشربات الأحمر ..
تقف لحظة بعد أن تضع المسجل جوار المنضدة وتلقي نظرة لتتأكد أن كل شيء في مكانه..ثم تتحرك الى غرفتها..وتأخذ زينتها أمام المرآة بشيء من المساحيق على ملامحها القمحية ، وطلاء للشفاه ، وبعض من الكحل..ثم ترتدي طرحتها البيضاء على شعرها القصير الذي طال الشيب بعض خصلاته ، والقفاز الأبيض –الذي اشترته حديثا بناء على نصيحة (سعاد) - تبتعد عن المرآة قليلا وتحكم شد الفستان حول خصرها وتخلع نظارتها..ثم ترتدي حذاءها الأبيض ذا الكعب العالي -وكانت لا ترتديه تقريبا الا لهذا الأمر وتفضل الحذاء المسطح الخفيف -وتترك الغرفة..
فوق أحد الكرسيين الضخمين تجلس ..وهي تحتسي الشراب الحلو المذاق وتغني بابتهاج مع الأغنية..
"مبروك عليكم بعد شوق ومحبة
السعد جمّع شملكم يا أحبة"
عندما تكون سعاد موجودة فانها تجلس أمامها تصفق وتغني وتتناول الشراب وتشاركها في الرقص ..تتذكر حين تحتضنها سعاد وتبارك لها الزواج وتتمنى لها الرفاه والبنين ..تضحك ..ثم تقوم للرقص على أنغام الموسيقا..
"وانتي ما شا الله يا عروسة عليكي
الفرحة والله باينة جوة عينيكي"
عدم ارتداء النظارة يجعلها ترى الأشياء ضبابية بلا تفاصيل ..ويزيد الأمر مع الرقص والدوران فتشعر كأنها في حلم..
ترقص..فتعود عذراء في ليلة زفافها ..ولا يكون معنى لحسابات العمر والسنوات.
(في حين تبدو للرائي ترهلات جسدها ، والفستان يبرزها من أسفل الصدر وعند الخصر)
تدور..فتنسى أي شيء عن حساب راتبها وراتب زوجها والأقساط المستحقة والغلاء .
(لكن تتذكر أنها لم تتناول قرص الدواء فتحضره وتبتلع مرارته ببعض من الشراب )
ترقص..وعيناها تشرقان بالكثير من البهجة وثغرها يبتسم .
( ثم تمتد يدها الى أسفل ظهرها الذي يؤلمها بسبب الكعب العالي )
تدور..وتطلق زغرودة طويلة وعالية.
(سرعان ما تكتمها خوف أن تصل الى الجيران فلا تستطيع تبريرها)
*********
في جلبابها الكحلي الفضفاض وقفت على باب غرفة (علاء) وهو يبدأ تناول الشطائر التي أعدتها له ليأكلها أثناء المذاكرة ..
-ألا تريد شيئا ﺁخر ؟
*شكرا يا أمي..تصبحين على خير.
غادرته الى غرفتها وألقت بجسدها المنهك فوق الفراش ..رغم صوت غطيط زوجها ابتسمت وأحكمت عليه الغطاء ثم أغمضت عينيها وهي تفكر في أنها لابد أن تتصل بطبيب الأعشاب الذي تشاهده في التلفاز ..كي تسأله عن وصفة لانقاص الوزن..