١٩‏/٤‏/٢٠١٠

يوميات (4) ..زمن

يوم جديد
كل العصور أنا بها فكأنما
عمري ملايينٌ من السنوات ِ
شعر..نزار قباني
قصيدة وديوان ..الرسم بالكلمات


1
اسمه أحمد سيد عابد . هكذا أمليت الاسم وكتبته في أوراقي ثم دخلت الغرفة لأسأل عنه . كان الحاج أحمد - هكذا ناديته تأدبا ولا أدري إن كانت ظروفه قد سمحت له بالحج - في الخامسة والثمانين ، ملتحفا بعمامة تغطي نصف وجهه ومنديل من القماش ، وتغطي مقلتيه المياه البيضاء . كان يومه الأول في المستشفى ، ويفترض بي أسحب عينة دم من أوردته التي تبدو كالشجرة الخريفية العجوز . يتذمر ويشكو حظه في البداية ثم يمنحني يده في استسلام . يشكو لي ابنه - وهو رجل في الخمسينات - من ضعف شهيته . أسأله فيغمغم مشيحا بوجهه بأنه لا يريد طعاما . لكنه فجاة يغير مجرى الحديث ويقول مشيرا إلى مدخل الغرفة :
-كنت ألعب هنا .
أسأله مستغربا : هنا ؟!
يرد : نعم .. زمان . لما كنا صغارا . كنا نأتي إلى هنا ونلعب .
أقول باسما : وكنت تكسب أم تخسر ؟
لكنه يكمل بكل جدية : لا ..لا ..لا يهم . كنا نلعب . وكنا نذهب إلى الفناء الواسع نستمع إلى غناء (محمد طه) و (أبو دراع) .
يقول كلاما كثيرا مدغما لا أتبينه . يبدو مستغرقا في زمن آخر تماما . أطمئن ابنه بأننا سوف نقوم باللازم ، وآخذ عينة الدم ، وأنصرف .
*****************************
2
أقرأ الخبر في الجريدة ، ثم أرى اللقطات على الشاشة للرئيس عائدا من جراحة في الخارج ، يصافح مستقبليه في مطار شرم الشيخ حيث يقضي فترة النقاهة . يسيل الحبر وتنهال كلمات التهنئة من الجميع . التحفز يبدو واضحا على إظهار الرئيس بحالة جيدة تسمح له بإدارة شئون البلاد وربما الترشح لفترة رئاسية سادسة . لكن الفكرة التي تسيطر عليّ هي أن الفارق بين عمر الرئيس والحاج أحمد لا يزيد عن ثلاث سنوات .
****************************
3
أجد أنني بحاجة إلى الراحة من إرهاق العمل . أطالع الجريدة فأجد خبرا عن القمة العربية وكلمة الرئيس في ختامها .
" تصدر عن القمة توصية بتشكيل لجنة تتابع التعاون العربي المشترك "
أتساءل كم مرة سمعت هذا الكلام ، وكم مر من الزمن وأنا أسمعه ، لكنني لا أجد جوابا . أدرك أنني فعلا في حاجة إلى الراحة .

٤‏/٤‏/٢٠١٠

يوميات (3) ..أن تنظر خلفك

يوم جديد
أيها القادم في عنف قطار الموت ِ
رفقا بالوجوه المتعبه
نحن جربنا كثيرا
وابتلعنا خيبة الوهم حسيرا وكسيرا
وتعلقنا طويلا بذيول العربه
شعر..فاروق شوشة
قصيدة..يدوسنا عام جديد
ديوان..الدائرة المحكمة

كنت أتابع المباراة ، ولم تمض إلا دقائق قليلة حتى كان النجم المخضرم يحرز الهدف . وإذا بالصورة تنتقل نحو المدرجات ، ونرى أسرته ترتدي قمصانا مكتوبا على صدورها رقم 300. وهو ما يساوي عدد الأهداف التي أحرزها (ديل بييرو) في الدوري مع ناديه . وقبل أن تتوقف تحية الجماهير كان (ألكس) يحرز هدفه الثاني ، فنرى على ظهور قمصان الأسرة الرقم 301. لحظتها يقفز إلى ذهني عبد الوهاب مطاوع . مقال بعنوان : هذا حسن ! . أبحث عنه في فهارس كتبه المتراصة على الأرفف حتى أجده . أصل إلى الجملة التي أريدها :
" وإذا أردت أن تختبر نصيبك من السعادة الحقيقية ..فتوقف لتراجع حياتك الآن وتستعرض كل جوانبها ، فإذا استطعت بعد انتهاء المراجعة أن تقول كما قال الفيلسوف الألماني (كانت) وهو يراجع حياته قبل رحيله : هذا حسن ! ..فأنت إنسان سعيد . "
يمكن للنجم الآن - وهو في ختام حياته كلاعب - أن ينظر خلفه ويستمتع بما حققه ويقول : هذا حسن !
ألهذا يملؤني الضجر ؟ أهو السبب في الهم الذي يجثم على الأوقات فلا أعرف من أين يأتي ؟ أخشى أن أنظر خلفي . العجلة تدور والأيام تركض دون لحظة توقف ، وأنا أخاف وقفة المراجعة والحساب . أيام وسنوات أتمنى أن أنساها تماما وأحذفها كأن لم تكن . من أين أتى هذا الرجل بكل هذا الرضا عن النفس ؟
بيد أن الأمل يجب ألا ينقطع ، وقد ينقشع الضباب فأصل بعد التخبط والضلال إلى الطريق المبتغى . ومن يدري فقد يكون فيه من الفائدة ما أعجز عن رؤيته الآن . فلا شك أنني حاولت واجتهدت . وقد يكون حسنا أن أقول في أية لحظة أقرر فيها أن أنظر للوراء إنني لا ظلمت أحدا ولا حملت كرها لأحد . والله أعلم بالنية وبالعاقبة .