٣١‏/١٢‏/٢٠٠٩

يوميات (1) الامتحان..وألغاز الذاكرة

يوم جديد
هل جلست العصر مثلي
بين جفنات العنب ؟
والعناقيد تدلـــــــــــت
كثريات الذهب
شعر..جبران خليل جبران
لا أنا جلست بين جفنات العنب ولا رأيت العناقيد . بل كن وسط زحام الطريق ، لكن صوت (فيروز) كان يغنيها فإذا بها تمس ذكرى غير واضحة المعالم . ذاكرتي غريبة اليوم . م أحلامي في الحياة أن أفهم الذاكرة : لماذا نتذكر أشياء معينة في أوقات لا يبدو بينها وبين الذكرى أي ارتباط ؟ يوم امتحان هو . يوقظني المنبه فأشعر أنني لم أنم إلا لحظة . يحرمني من دفء الفراش الذي يبدو في هذا الوقت المبكر أمتع ما في الدنيا . أمكث دقائق ألعن فيها كل شيء وأصبر نفسي بأن الوصول يقترب . يستقبلني الصباح بالهواء البارد . الكلية .. الزحام.. الثرثرة ..أقف لدى الباب في يدي كتاب أحاول أن أستوعب منه أي شيء قبل دخول اللجنة . تبدأ الذاكرة أفعالها الغريبة : أتذكر في هذه اللحظة قصة ليوسف السباعي ، فيها يلتقي البطل مع (جحا) . يقول أحدهما للآخر : إن الناس لو وقفت وفكرت قليلا قبل أن تفعل أي أمر لتغيرت الدنيا كلها .
لماذا أتذكر ذلك الآن ؟ لم أقرأ القصة إلا منذ سنوات ، ولا هم لديّ سوى الامتحان أفكر فيه . يمضي الامتحان ويمضي اليوم كسواه . ثم ما أن تنطق (فيروز) بالكلمات حتى أجد الذاكرة تتحفز . لا أتذكر شيئا بعينه ، لكنه إحساس أو شيء كومضة سريعة خفية .
الأغرب أنني حين حاولت أن أتذكر أسئلة الامتحان لأراجع ما أجبت به لم أجد في ذاكرتي من الأسئلة التي مرت عليها ساعات - شيئا يذكر . الآن ..وبعد أن انتهى اليوم كله ، ورحت في نوم عميق وأحلام متضاربة ، أستيقظ في حال غير الحال . أكتب لعل هذه الكلمات تحتفظ بما سوف يسقط من الذاكرة ويطويه النسيان .

١٢‏/١١‏/٢٠٠٩

في يوم وليلة

يوم جديد
وكثير من السؤال اشتياق ٌ
وكثير من رده ..تعليل ُ
شعر..أبو الطيب المتنبي

من وحي 14 نوفمبر..


ابتسمت بسعادة وأنا أقترب من صالون الحلاقة ، حين سمعت مطلع الأغنية الجميل يأتـي من المذياع داخله . ألقيت التحية وجلست بسرعة أستمع إليها . وكنت قد سمعتها لأول مرة منذ وقت قريب بالمصادفة ، ولم أعرف حتى من تغنيها ، لكن موسيقاها العذبة لم تفارق أذني فعرفتها من أول وهلة . غير أن فرحتي لم تدم طويلا ، إذ بدأت ثرثرة الحلاق مع الزبون الذي يمسك برأسه ، مع صوت المقص الرتيب المزعج يتعاونان على تغطية صوت المذياع . والحق أن ثرثرة الحلاق أمر قد اعتدته منه ، لكن المختلف هذه المرة كان الحماس الذي يتكلم به ، والذي يشاركه إياه الزبون ، حتى أن يده كانت تتوقف عن العمل وتضع المقص جانبا لتشير هنا وهناك وتساعده في التعبير والشرح . ولم أكن بحاجة إلى توضيح ما أن سمعت كلمة (الجزائر) حتى أدرك أنهما كانا يتحدثان عن المباراة المرتقبة التي تجمع منتخبها بمنتخبنا ، إذ أصبحت المباراة حديث الكل في هذه الأيام .
قال الحلاق :
-هل شاهدت ما تعرضه البرامج التلفزيونية ؟ كل يوم يسبوننا ويتوعدون . كأن بلدهم كلها على أهبة الاستعداد للحرب ضدنا .
* إنهم يكرهون مصر . لو أن المباراة ضد فريق آخر لما فعلوا شيئا من هذا . لكنهم لا يطيقون أن تهزمهم مصر . مع أننا طالما ساعدناهم أيام ثورتهم وفعلنا ما لم يفعله لهم أحد .
-هكذا العرب كلهم . نفني أنفسنا من أجلهم ونحل أزماتهم ، ثم لا نجد إلا الحقد ونكران الجميل .
كنت أهتم بالمباراة كالجميع ، والحق أنني لا أتابع الكرة إلا لماما ، لكن المباراة حاسمة والفوز يدفع بنا إلى آفاق بعيدة . على أنني كنت ضائقا من الثرثرة التي أعاقتني عن متابعة الأغنية ، وبدأت أرهف السمع :
" نسيت الدنيا وجريت عليه..
سبقني هو وفتح إيديه "
ثم انهمك الاثنان في تحديد أسلوب اللعب الأمثل للمواجهة ، واللاعبين الذين من المتوقع أن يحرزوا أهدافا .
قال الزبون :
-يقولون إن لديهم أكثر من لاعب مصاب .
* وهل تصدق ذلك يا أستاذ ؟ ما هي إلا محاولة ساذجة لخداعنا . أقطع ذراعي إن لم تجد هؤلاء اللاعبين بكامل لياقتهم في الملعب .
خطفت أذني النقلة الموسيقية ..
" وأنا لما صحيت على حبك
وشفت الدنيا من عندك
أتمنى لو كل العشاق ..
يحبوا زي أنا ما بحبك "
*ما رأيك أنت يا أستاذ ؟
قالها الحلاق ولم أسمع ردا . فالتفت لأجده ينظر نحوي موجها لي الحديث . قلت وأنا لا أعرف فيم يسألني :
-نعم ..صحيح ..
أضفت محاولا الخروج من المأزق :
-بإذن الله تسير الأمور بخير ونفوز .
قلتها والتفت ثلاثتنا نحو وقع الأقدام . كان هناك ضابط شرطة يدخل إلى الصالون . ما أن رآه الحلاق حتى هرول إليه محييا ومصافحا :
*أهلا يا سعادة الباشا . كيف حال سعادتك ؟
لكن الضابط لم يمد يده ، وأشار إلى الشعر الذي يلوث يد الحلاق ، وقال :
-سأمر عليك ليلا لقص شعري . لا تغلق قبل أن آتي .
رأيت الوجوم يكسو وجه الحلاق للحظة قبل أن يرد بشكل آلي :
*تحت أمرك .
ثم استدار الضابط خارجا ، لكنه توقف وقال وهو يشير إلى المناشف التي كان الحلاق يعلقها على حامل أمام الصالون :
-لا تضع أشياءك خارج المحل ..فهو إشغال للرصيف .
عاد الحلاق بعدها إلى العمل صامتا ، ثم قال شاكيا للزبون :
*هذا الرجل والجماعة التي تعمل معه يحلقون عندي منذ سنة ، ووالله لم أنل منهم قرشا واحدا .
هز الزبون رأسه أسفا وقال :
-ولماذا لا تشكوه ؟
رد الحلاق :
*أشكوه لمن يا سيدي ؟ الشكوى لله .
ولم يمر وقت طويل حتى عادا للحديث الأول ، وعدت أنا للأغنية كلما استطعت . قال الحلاق بحماس :
*يجب أن ندخل الرعب في قلوبهم منذ وصولهم إلى المطار وحتى نهاية المباراة .يجب ألا يروا إلا أعلام مصر ولا يسمعوا إلا الهتافات .
ثم أضاف بلهجة منغمة :
*آه كم أتطلع إلى هذا اليوم ! حين ندخل الحسرة إلى قلوبهم ونهزمهم هزيمة لا يمكن نسيانها .
لحظتها تأوه الزبون ، إذ كان موسيّ الحلاق قد جرح رقبته . ورغم أن الحلاق اعتذر أكثر من مرة إلا أن الزبون ثار ونعته بالعمى والغباء ، ثم قام ساخطا وهو يتحسس جرحه وغادر المكان . وبقي الحلاق محمر الوجه للحظات ، حتى قمت وأخذت دوري على الكرسي .
" ومين يصدق يجرى ده كله
ونعيش سوا..
نعيش سوا العمر كله
في يوم وليلة "
ولم أكد أفرح بانتهاء الضوضاء حتى وجدت الأغنية انتهت ، ثم أنصتّ للمذيع بعدها ، وعرفت أخيرا أن صاحبة الأغنية هي (وردة الجزائرية) .

١٠‏/١١‏/٢٠٠٩

ما بعد النهاية

وصفّق الجمهور مبتهجًا
وأسدل الستارْ
رجعت نحو غرفتي
أبدل الثيابْ
وأستعدّ للرحيل ْ
وجدت باب غرفتي منغلقا
من أغلقه – الباب ؟
طرقته منزعجا
ركلته مرتبكا
صرختُ ..لا جواب ْ
من أغلق الأبوابْ ؟
قصدت باب المسرح الكبيرِ
كان مغلقا..
صرخت في عذاب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟
وجاءني صوت ثقيل ْ
محاصرا كأنه جحافل التتار ْ
وقاتلا كأنه انفجارْ
" لم يحن الرحيل ْ"
فقلت : بل حان ولم يبق سوايَ
رد في إصرارْ
"فلتكمل التمثيلْ"
-الآن َ ؟
لا جمهور في المسرحِ ِ
لا أحد ٌ يشاهد ما أمثله
وقد نزل الستار ْ
" فلتكمل التمثيل ْ "
-المسرحية انتهت ْ
لم تبق أحداث لكي تجري ولا أدوار ْ
ماذا أقول ولم يعد عندي كلام أو حوار ْ
وبقية الأبطال ما عادوا هنا
لا أستطيع بدونهم تمثيل دوري
أي دور ٍ في مشاهد َ من فراغ ٍ
أي معنى لانتظارْ ؟
لا شيء إلا أن تؤلف لي بنفسك َ
ما أمثلهُ
وترسم لي طريقا
سوف أسلكهُ
وما عندي خيارْ
أصرخ ْ..
لا يأتيني الصوت ْ
أصرخْ ..
في جنبات الصمت ْ
أصرخُ ..لاجواب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟!
أكتوبر 2007

١٥‏/١٠‏/٢٠٠٩

في الكرة كما في غيرها


يوم جديد

مضت قرون خمسة

مذ رحل الخليفة الصغير عن سبانيه

ولم تزل أحقادنا الصغيره

كما هيه

ولم تزل عقلية العشيره

في دمنا كما هيه

شعر..نزار قباني

قصيدة ..أحزان في الأندلس

ديوان..الرسم بالكلمات


هكذا وجدت نفسي فجأة واحدا من مشجعي رواندا ، تلك الدولة التي لا أكاد أعرف عنها شيئا سوى أنها من دول حوض النيل ، تجاور بوروندي في وسط قارتنا السمراء ، وأن نهرا يجمعهما كنا ندرس عنه شيئا في حصص الجغرافيا لم أعد أذكر اسمه . والذي لا يعرف السبب فسوف يصيبه العجب وهو يراني وسط هذا الحشد الكبير في المقهى ، ونحن نشجع بمنتهى الحماس الفريق الرواندي – الذي لا نعرف أي واحد من لاعبيه – وهو يلاقي المنتخب الجزائري في مباراتهما الأخيرة . ذلك أن القدر جعلنا ننتظر أن تحقق رواندا نتيجة ﺇيجابية تخدم مصالحنا في الصعود لكأس العالم على حساب الجزائر . وهي من المناسبات القليلة التي نتذكر فيها أن مصر بلد ﺇفريقي ، وأننا نحتاج لأن نمر من البوابة الافريقية لكي نصل ﺇلى العالمية . غير أنه مما يثير الانتباه هذا التشابه بين الحالتين ، فالصيحات والتصفيق الحاد وتبادل التهنئة بعد هدف رواندا كانت صورة مكررة مما حدث بعد هدف منتخب مصر في اليوم السابق . وكذلك الغضب واللعنات التي صبت طوال المباراتين مع الأداء العشوائي السيئ الذي قدمه الفريقان ، بل أيضا صعوبة موقف كل منهما في التأهل سواء لكأس العالم أو لكأس ﺇفريقيا . أما ما حدث بعد المباراة وقبلها فلم يكن جديدا ، حيث استمر التراشق اللفظي والتهديد والوعيد ما بين معسكري مصر والجزائر (العربيين الشقيقين) ، ﺇلا من بعض العبارات الدبلوماسية لبعض المسئولية من نوعية ما يقال في جامعة الدول العربية ومؤتمراتها . وبدأت الاستعدادات (السرية) لكل فريق من أجل (سحق) نظيره الشقيق ، وخطف بطاقة التأهل ، وجدير بالذكر أن أحدا من البلدين لم يتواجد في هذا المحفل العالمي منذ ما يصل ﺇلى عشرين سنة . متعنا الله وﺇياكم بطول العمر .

٨‏/٩‏/٢٠٠٩

سر طاقية الاخفاء 2

يوم جديد
وحدي أتلفت بينكمو ، يا من أنتم حولي
أزعم أني أبدأ أول حرف في سفر التكوين
وأرى الأشياء بعين تجهل معنى الذل
وأذوق الكون بوجد العاشق يلثم وجد المعشوق
وأنادي من فوق الجبل الأجرد في الصحراء
أدعوكم يا أصحاب ويا أحباب ويا فقراء
من يثقب ظلمة هذا الليل ؟
شعر ..فاروق شوشة
قصيدة..الغربة
ديوان..العيون المحترقة


فلاش باك
قبل التتر 1 غرفة وكيل النيابة نهار/داخلي
وكيل النيابة متحدثا ﺇلى عصفور قمر الدين
وكيل النيابة : أنصحك ﺇنك تسلم السلاح الرهيب ده للعدالة
عصفور : أنا معاك يا فندم..الطاقية دي اتعمل بيها جرايم كتيرة
عصفور يناوله الطاقية فيذهب ليرميها في نار المدفأة
آمال : مش هتصعب عليك الطاقية ؟
عصفور: أنا معايا كنز أهم من الطاقية..انتي يا آمال
آمال تنظر له بحب ويتعانقان

قطع
النهاية
(لكن بعد لحظات نجد كلمة النهاية تحذف بالتدريج ونعود ﺇلى المشهد السابق )
عصفور : أنا معايا كنز أهم من الطاقية..انتي يا آمال

وكيل النيابة يتحرك نحو المدفأة ، وفي حين ينشغل عصفور مع آمال ، يدس الطاقية خفية في جيب سترته الداخلي
قطع


فلاش باك
قبل التتر2 غرفة وكيل النيابة ليل/داخلي
وكيل النيابة (عزت الهواري) خلف مكتبه يتحدث ﺇلى أمين الجواهرجي
وكيل النيابة : أنا عندي ليك عرض متحلمش بيه..هاخلصك من السجن ومن حبل المشنقة
أمين : اللي تأمر بيه سعادتك
وكيل النيابة : أنا هاديلك الطاقية وتهرب بيها من هنا . بس بشرط..هاخد نص اللي سرقته
أمين : موافق يا باشا ..موافق طبعا
وكيل النيابة : بس خللي بالك ..لو حاولت تغدر بيا مش هارحمك ..اعترافاتك كلها متسجلة عندي
أمين : بقى ده معقول سعادتك؟ تشيل حبل المشنقة من على رقبتي وأغدر بيك ؟
وكيل النيابة : اتفقنا..
يمد يده ويصافح أمين
قطع

قبل التتر3 منزل سيف الهواري ليل/داخلي
لقطة قريبة لصورة أبيض وأسود لوكيل النيابة مع أمين يصافحان بعضهما ، يبدوان فيها أكبر سنا وأكثر ثراء ، يمسك بالصورة سيف الهواري ابن وكيل النيابة متحدثا ﺇلى حسين ابن أمين ، كلاهما أربعيني قريب الشبه بوالده
سيف الهواري : الله يرحمهم ..كانوا زي الاخوات
حسين أمين : عندك حق..مماتوش غير لما سابونا أصحاب ونسايب


سيف الهواري : لأ وكمان سابولنا ثروة متتقدرش..
سابولنا الكنز ده
يقولها وهو يمسك بطاقية الاخفاء

قطع

تترات البداية


مشهد1 أمام شركة حسين أمين نهار / خارجي
نرى مبنى ضخما شديد الفخامة على واجهته مكتوب (حسين أمين جروب) ،تقترب منه سيارة فارهة ينزل منها حارسان ضخما البنية ، أحدهما يفتح الباب لحسين أمين ، الذي ينزل في بذلة أنيقة ونظارة سوداء ، ويتحرك بكبرياء نحو الشركة
قطع


مشهد 2 طرقة / مديرية الأمن نهار / داخلي
سيف الهواري يمشي بخيلاء في الطرقة وخلفه اثنان من الضباط ، أحدهما يعطيه ملفا يوقع عليه بسرعة ويكمل طريقه بعد أن يحييه الضابط
قطع


مشهد 3 مقهى السعادة نهار / داخلي
قمر الدين ابن عصفور وامال ، شاب بأواخر العشرينات نراه محمولا على الأعناق ، يوزع قبلات في الهواء على جمع كبير من الشباب يهتفون باسمه
الشباب (هاتفين) : شمال ..يمين ..
هنشجع قمر الدين

ينزل قمر ويسلمه أحدهم كأسا يرفعها بسعادة وسط تصفيق الجميع

الشباب (هاتفين بحماس أكبر) : قد الدنيا بقى مشهور..هو قمر الدين عصفور
ثم يفتح الكادر لنرى يافطة مكتوبا عليها :بطولة قهوة السعادة للطاولة والشطرنج
قطع


مشهد 4 صالة منزل عصفور ليل / داخلي
آمال جالسة أمام التلفاز ، وقد صارت خمسينية وبدينة نسبيا ،يفتح عصفور الباب ويدخل باديا عليه اﻹرهاق ، عصفور يقارب الستين يخط الشيب رأسه ، يرتدي نظارة طبية
عصفور : مساء الخير يا آمال
يلقي بنفسه على الكرسي بتعب واضح
آمال : مساء النور..يعني كان لازم شغلانة القناة الفضائية بعد الضهر دي ؟ ده انت مش قادر تقف على حيلك
عصفور : أهو اللي باخده منها بيساعد..انتي شايفة الدنيا عاملة ازاي..وبعدين متنسيش ان القناة فيها حرية أكتر ..الواحد مش ممكن يرتاح غير لما يقول اللي هو عايزه ..وللا انتي خلاص نسيتي الصحافة من يوم ما سبتيها ؟
آمال : أنا هاقوم أحضرلك الأكل
عصفور: أمّال قمر الدين فين ؟
آمال (بحزن) : زي كل يوم ..ع القهوة
عصفور: أنا غلبت مع الواد ده ..مش عارف أعمل معاه ايه؟
آمال : ربنا يهديه
عصفور: مفيش غير عمه فصيح..همه أصحاب وهو الوحيد اللي يقدر يأثر عليه
قطع


مشهد 5 محل فصيح ليل/داخلي
فصيح رجل أربعيني بدين أسمر الوجه يجلس وسط حلقة من أصحابه يدخنون الحشيش ، ﺇلى جواره أحدهم نائم ..يأخذ نفسا من النارجيلة بصوت عال فيبدو عليه الامتعاض ويقول لأحد أصحابه

فصيح : انت جايب الحشيش ده منين ياممدوح ؟
ممدوح: من عند أبو فايزة ياكبير
فصيح: يادي أبو فايزة ! يابني الحشيش بتاعه ده مضروب
يأخذ نفسا جديدا ويمتعض
ده حاطط عليه سحلب ! كل ده علشان خاطر عيون الست فايزة ؟ دي حتى شبهك ..هو انت بتفهم في الستات وللا في حاجة خالص ؟
يوجه خطابه للجميع
فصيح : بيفهم ده ؟
لا أحد يرد..يصفع فصيح النائم الى جواره فيصحو بفزع ويقول
النائم : مبيفهمش يا كبير

يعود للنوم من جديد
فصيح: انتوعارفين أنا طلقت مراتي ليه ؟
يسأل الجميع في صوت واحد متناغم
الجميع : ليه يا كبير ؟
فصيح : علشان ماكانتش بتفهم ..هي فايزة بتاعتك دي ست ؟ فين أيامك يا لولا ؟!
ممدوح : متحكيلنا عن لولا يا كبير
يدع فصيح النارجيلة جانبا ،ويجلس القرفصاء ،ويشرد مع الدخان متذكرا
فصيح : ياااه ! أحكيلكوا ايه وللا ايه ! كانت الحتة كلها تتمنى نظرة منها ..التياترو اللي كانت بتغني فيه كانوا بيقفوا عليه طوابير ..بس هي محطتش عينها غير عليا !
ممدوح (مهللا) : يا سلام عليك ياكبير !
فصيح : مع ﺇني كنت لسه عيل ..بس الراجل بيبان من وهو في اللفة
يصفع النائم فيصحو فزعا
النائم : في اللفة يا كبير
يعود للنوم من جديد
فصيح : أي نعم ..من وهو في اللفة ، وهي كان عندها نظر ..عارفين أنا طلقت مراتي ليه ؟
الجميع : ليه يا كبير ؟
فصيح : علشان ماكنش عندها نظر
ممدوح : وبعدين يا كبير ؟
فصيح : قالت لي عايزاك ..خدتني من ﺇيدي ، وصبت لي كاس ..كاس في التاني في التالت ..
يصمت لبرهة ثم يكمل بنبرة حزن
لحد ما قلتلها على مكان الطاقية
ممدوح : الطاقية ؟ طاقية ﺇيه يا كبير ؟
فصيح : أنا قلت طاقية ؟ انت اتسطلت وللا ﺇيه ؟
يصفع النائم ﺇلى جواره فيصحو بفزع ويرد :
النائم : اتسطل يا كبير
قطع


مشهد 6 مكتب عصفور / جريدة النور نهار / داخلي
عصفور يقلب في مجموعة كبيرة من الجرائد ، تبدو على وجهه الحيرة ، يراقبه زميله عادل في المكتب المقابل
عادل : ﺇوعى تقوللي حسين أمين برضه ؟
عصفور : ورث عن أبوه محلات دهب ، وشركة صغيرة ، وبعدين من عشر سنين اتجوز واحدة عيلتها بيشتغلوا في البوليس بعدها ثروته كبرت بسرعة قوي وبقى عنده كذا شركة ..مش دي الفترة اللي حصل فيها كذا سرقة لبنوك ؟
عادل : ياعم انسى الحكاية دي بقى وريح دماغك .
عصفور : أصلها حاجة غريبة قوي ..وبعدين فيه حاجة..شكله مش غريب عليا !
قطع


مشهد 7 مقهى السعادة ليل / داخلي
قمر الدين وفصيح جالسان وأمامهما طاولة وقدحان من الشاي ..فصيح يغلق الطاولة
فصيح : أديني سبتك تغلبني يا عم ..قوللي بقى..مزعل أبوك ليه ؟
قمر : جرى ايه يا أبو فصيح ما كنا حلوين ؟ ليه السيرة دي بقى ؟
فصيح : ايه أبو فصيح دي؟! قوللي يا عمي ..مادام بكلمك في مستقبلك تقوللي يا عمي ..صحيح أنا أكبر منك بعشر سنين بس ،لكن في الاخر عمك ..يعني ف مقام أبوك..وللا شايفني بلعب معاك ؟
قمر ينظر الى الطاولة
قمر : عندك حق يا عمي .
فصيح : ايه حكايتك ؟ هتفضل ع القهوة كده ليل ونهار ؟
قمر : على يدك ..عملت اللي عليا وخدت البكالوريوس ومفيش وظيفة ﺇلا وقدمتلها ..متعرفش حد يشوفلي أي عقد بره ؟
فصيح : لأ معرفش .
قمر : طب تعالى نكمل لعب
فصيح (بعصبية مسرحية) : يعني خلاص ؟حتفضل قاعد كده ؟ حتسلم من أول جولة ؟ انت عارف أنا طلقت مراتي ليه ؟
قمر : ليه ؟
فصيح : علشان كانت بتسلم من أول جولة
قمر : عموما متخافش عليا ..رمضان قرب وعندي فكرة شغلانة زي الفل
قطع


مشهد 8 أحد شوارع القاهرة نهار/خارجي
يافطة كبيرة مكتوب عليها :قمر الدين للياميش وقمر الدين ..تظهر تحتها فراشة يقف داخلها قمر وسط بضاعة من الياميش
صوت سارينة شرطة
قمر ينظر حوله بترقب..تظهر سيارة شرطة وتتوقف أمام الفراشة ..ينزل ضابط واثنان من العساكر بتحفز
الضابط : هاتولي الواد ده !
قمر يلملم البضاعة بسرعة ويركض هاربا
الضابط : اوعوا يفلت منكم !
قمر يواصل الركض ، ويلقي الياميش من خلفه ..الشرطيان لا يلحقان به ويصيبهما التعب فيجلسان على الرصيف ويتقاسمان الياميش .

قطع


مشهد9 مكتب عصفور نهار / داخلي

عادل زميل عصفور يجلس خلف مكتبه ، يدخل عليه عصفور ويبادره ثائرا
عصفور : معقول اللي حصل ده ؟ يعني ايه أوراق القضية اختفت ومش لاقيينها ؟
عادل : قصدك قضية أراضي الدولة بتاعة حسين أمين ؟
عصفور : أيوه هو فيه غيرها ؟
عادل : نايب المجلس اللي كان رافع القضية مش مصدق وماشي يكلم نفسه ..بيقول ان الأوراق كانت على مكتبه وهو قاعد فيه ومحدش لا دخل ولا خرج ..كأن واحد لابس طاقية الاخفاء دخل سرقها وطلع !
يضحك عادل بسخرية بينما يطرق عصفور ذاهلا
قطع


مشهد 10 فوتو مونتاج
-عصفور أمام الكمبيوتر يبحث في الانترنت
-عصفور يقلب في أوراق ومستندات
-عنوان مقال في جريدة النور : "كيف جمع حسين أمين ثروته الضخمة في سنوات قليلة ؟" مذيل بتوقيع عصفور قمر الدين
-حسين أمين يلقي بالجريدة في غضب

قطع


مشهد 11 مكتب في مديرية الأمن نهار / داخلي
عصفور يتحدث الى مسئول جالس خلف مكتبه
المسئول : انت متأكد يا أستاذ عصفور من الكلام ده ؟ حسين أمين ده رجل أعمال كبير جدا ، ومش شوية ف البلد
عصفور : طبعا متأكد يافندم ، ومستنداتي من واحد كان شغال عنده وقريب منه
المسئول : خلينا على اتصال يا استاذ عصفور ، وأول ما تكمل مستنداتك أوعدك اني هاعمل اللازم
عصفور : متشكر قوي يا افندم
عصفور يقف ويصافح المسئول ويغادر المكتب .
المسئول يرفع سماعة الهاتف
المسئول : صباح الخير ياباشا

قطع


مشهد 12 مكتب سيف الهواري نهار / داخلي
سيف الهواري يتحدث في الهاتف بغضب
سيف الهواري : أيوه يا حسين ..الظاهر عصفورقمر الدين ده مش ناوي يجيبها البر ..أنا عرفت دلوقتي انه بلغ عنك في مديرية الأمن ..متخافش اللي بلغه تبعي ..أنا ممكن أشده بس الدنيا عندي لبش ..بص أنا حابعتهولك لغاية ما ابقى أفضاله ..سلام
قطع


مشهد 13 غرفة بفيلا حسين أمين ليل / داخلي
عصفور مقيد الى عامود وحوله حسين أمين وحراسه..أحد الحراس يضع فوهة مسدس على رأسه ، وآخر يمسك هاتفا محمولا يتحدث فيه عصفور

عصفور : أيوه يا قمر
صوت قمر : أيوه يابابا انت فين ؟ قلقتنا عليك
عصفور : اسمعني كويس يا قمر..روح لعمك فصيح قول له هات الأمانة اللي عندك ..وتعالى بيها على العنوان اللي هاديهولك
قطع


مشهد 14 بيت فصيح ليل / داخلي
فصيح يعطي مظروفا بنيا لقمر..يفتحه فيجد أوراقا واسطوانة كمبيوتر
قمر : الحمد لله انه مضاعش
فصيح : يضيع ازاي ياواد انت وهو عندي؟..انت معندكش ثقة فيا وللا ايه ؟ انت عارف أنا طلقت مراتي ليه ؟
قمر (وهو يقرأ الأوراق) : يييييه ! ليه ؟
فصيح : علشان مكانش عندها ثقة فيا
قمر : دي كلها عن حسين أمين ..أكيد هو اللي خاطف بابا
فصيح : حسين أمين بتاع القرى السياحية ؟
قمر : بتاع كل حاجة
فصيح (بخوف) : طب واحنا هنعمل ايه دلوقتي ؟
قمر: أنا اللي لازم أعمل..لازم أخلص بابا
قطع


مشهد 15 بوابة فيلا حسين أمين ليل / داخلي
-لدى البوابة حارسان مسلحان
-قمر يقف ليراقبهما خفية وعلى ظهره حقيبة
موسيقى توحي بالترقب
(بعد مدة)
-حارس 1 يدخل الى الفيلا
-حارس 2 يتثاءب ويسقط جفناه
-قمر ينتهز الفرصة ويتسلق السور

قطع


مشهد 16 حديقة فيلا حسين أمين ليل / داخلي
حارس 2 يتجه الى البوابة ممسكا بصينية عليها قدحان من الشاي..قمر يباغته من الخلف فتسقط الصينية أرضا
قمر يضع يده على فم الحارس ، ويخرج سكينا يضع نصله على رقبته
قمر : أي حركة هاقتلك..أبويا فين؟
الحارس(بصوت مرتعش) : أبوك مين ؟
قمر : عصفور
الحارس يصمت ويبدو عليه الرعب..قمر يقرب السكين من رقبته
قمر (بعنف) : اخلص !
الحارس(بهلع) : حاضر ! حاضر ! هاوديك
الحارس يقود قمر نحو الغرفة

قطع


مشهد 17 غرفة احتجاز عصفور ليل / داخلي

الحارس 2 وقمر يدخلان الى الغرفة المظلمة حتى يصلا الى عصفور الذي نراه مقيدا
قمر : بابا !
عصفور (بفرحة) : قمر !
قمر (هامسا) : متخافش يابابا ..أنا هاخرجك من هنا ومحدش هيحس بينا
قمر يبدأ في فك قيوده ، لكن الأنوار تشتعل فجأة ونرى سيف الهواري ورجاله يدخلون الغرفة ، ويحاصرون عصفور وقمر
سيف الهواري (متهكما) : ليه كده بس ياقمر الدين ؟ مش قلنالك بلاش تلعب معانا ؟
-يهمس سيف لأحد رجاله بشيء فيترك الغرفة
قطع


مشهد 18 بيت عصفور ليل / داخلي
آمال واضعة كفيها على وجهها خوفا ، أمامها فصيح مطأطئا رأسه
آمال : يعني ايه ؟ يعني عصفور مخطوف وقمر هو كمان راح للي خاطفينه ؟ الاتنين هيضيعوا مني ؟
تلتفت لفصيح وتصرخ فيه
آمال : وانت؟ سبتهم وجاي لي هنا تعمل ايه ؟
فصيح : وأنا كنت هاعمل ايه بس ؟ قمر قاللي متبلغش البوليس
آمال : هو ده اللي قدرت عليه ؟ طبعا ..هو انت بتعرف تعمل حاجة غير انك تحشش؟..كان ليها حق مراتك تخلعك..يا مخلوع !
قطع


مشهد 19 ستوديو قناة فضائية ليل / داخلي
حسين أمين يجلس وأمامه مذيعة تجري معه حوارا
المذيعة (للكاميرا) : عودة مرة أخرى أعزائي المشاهدين لحوارنا مع السيد حسين أمين بمناسبة منصبه الوزاري اللي تولاه بداية من اليوم
تلتفت لحسين
المذيعة : قبل الفاصل سيادتك كنت بتتكلم عن الاصلاح..
حسين أمين : تمام..مشكلة الناس ف مصر انهم مستعجلين..مش قادرين يفهموا ان الحكومة بتعمل خطط اصلاح علشان الأجيال القادمة..وده لأنهم معندهمش بعد نظر وخيال
يخرج حسين علبة قطيفة حمراء صغيرة من جيبه
حسين أمين : يعني حضرتك مثلا تفتكري العلبة دي ممكن يبقى فيها ايه ؟
المذيعة : حاجة دهب ..خاتم مثلا
حسين أمين (بابتسامة) : ده التفكير التقليدي ..العلبة دي يامدام فيها فيل ..
المذيعة (بدهشة) : فيل ؟ !

قطع


مشهد 20 غرفة احتجاز عصفور ليل / داخلي

قمر وعصفور مقيدان الى عمودين متقابلين ، بينهما سيف الهواري في يده علبة قطيفة مماثلة لعلبة حسين
قمر : مش معقول ؟ فيل ازاي ؟
سيف يصفع قمر
سيف : بقولك فيل !
قمر (متألما) : فيل !
-عصفور يلطم خديه
-سيف يصفع قمر
سيف : فيها ..
قمر : فيل !
يستمر في صفعه
سيف : فيها ..
قمر : فيل !
سيف : فيها ..
قمر : فيل !
اختفاء تدريجي

النهاية

٢١‏/٨‏/٢٠٠٩

معجزة


يوم جديد

مهما توارى الحلم في عيني

وأرّقني الأجل

مازلت ألمح في رماد العمر

شيئا من أمل

شعر..فاروق جويدة

قصيدة وديوان..لو أننا لم نفترق

حدثت المعجزة التي كنت أتمناها ، وتمكن الصيادون المصريون أخيرا من فك أسرهم والعودة الى بلدهم ، ليس بتدخل رجال أعمال ودفع الفدية المطلوبة ، ولكن على يد رجال مصريين خلصوا اخوانهم وتمكنوا من القبض على عدد من الخاطفين ، وجميل أن هؤلاء الصيادين سيقضون الشهر الفضيل مع ذويهم ، والأجمل أن نجد شيئا يخرجنا من الظلمات ، ويمنحنا بصيصا من الأمل .

٣١‏/٧‏/٢٠٠٩

اندهش ..لو مازلت تستطيع

يوم جديد
أنا تاج العلاء في مفرق الشر
ق ودراته فرائد عقدي

شعر..حافظ ابراهيم
قصيدة..مصر تتحدث عن نفسها

(1)

موظف يمتنع عن سداد ايجار شقته البالغ 150 جنيها لمدة سنة ، فيرفع المالك دعوى قضائية ، وتقضي المحكمة بتغريم المستأجر مليارين و376 مليون جنيه .

ما فات ليس قصة لمسلسل كوميدي سيعرض في رمضان ، ولا شيئا مما يكتب في باب (صدق أو لا تصدق ) لكنه واقعة حقيقية حدثت في محكمة شمال القاهرة الابتدائية قبل أسبوعين ، ونشرتها الأهرام في صفحتها الأولى ، معقبة أن السبب هو ثغرة قانونية ، وأن هناك عشرات الحالات المماثلة .

(2)

وفي ختام العرض الباهر والمهيب ، أنشد الجميع "صوت بلادي بيدوي عبر الأجيال " . وعلى وقع نشيد الجيش ، وتحت رايات النصر ، أقسم الضباط يمين الولاء واختتموا عرضهم الرائع بنشيد " الله معاك ومعاك قلوبنا..وانت الشراع في بحرنا ..الله معاك ..انت قائدنا..انت زعيمنا..انت أملنا كلنا ..وانت الشراع في بحرنا .

يا مبارك يا حبيب الشعب "

ما فات ليس جزءا من موضوع تعبير في دفتر تلميذ متوسط المستوي بالمرحلة الثانوية ، ولا مسابقة من تلك التي تطالعها في التلفاز تطلب اسم صاحب الأغنية لتحصل على جائزة ، ولكنه ختام لمقال عن حفل تخرج طلاب الكلية الحربية ، كتبه في عموده رئيس تحرير الأهرام ( كبرى صحف الشرق الأوسط ) .

(3)

أعمل وزميلي في أحد المصانع الايطالية في حمل الكراتين مقابل أجر يومي يبلغ 70 يورو . وهو مايساوي مرتبي الشهري في مصر . نحن سعداء بالعمل في ايطاليا فهي دولة تحترم ادمية الانسان .

ما فات لم يكن على لسان أحد المهاجرين غير الشرعيين الى سواحل ايطاليا عبر مراكب الموت ، لكنه لبطل رفع الأثقال المصري جابر فرحان الذي حصل على ميداليتين في دورة ألعاب البحر المتوسط ، ثم كسر وزميله حسونة السيد حافظة رئيس البعثة المصرية وأخذا جوازي سفرهما ، وهربا للعمل في أحد المصانع . يكمل البطل المصري :

لست نادما . العمل في أوربا أفضل بكثير من أصبح بطلا رياضيا في مصر . ما فائدة أن أحصل على ميدالية ولا يتحسن مستواي المعيشي ؟ ماذا ستستفيد عائلتي اذا دخلت عليها بميدالية دون أن تترجم الى استفادة مادية ؟

(4)

بعد مداولات وشد وجذب بين الطرفين ، تم تخفيض المبلغ المطلوب من 6ملايين الى 800 ألف دولار . لكن المتفاوضين قرروا في النهاية أن ينسحبوا ويرفعوا أيديهم عن الصفقة . ولا تزال الأمور متجمدة منذ مارس الماضي وحتى اليوم .

مافات لم يكن عن لاعب كرة يتصارع عليه الأهلي والزمالك في موسم الانتقالات . لكنه عن حياة الصيادين المصريين الذين شاء حظهم العاثر أن يختطفهم قراصنة صوماليون . وقد قررت وزارة الخارجية المصرية ألا تدفع الفدية ، غير عابئة باستغاثة الصيادين وذويهم . وبدأ الأهالي في جمع التبرعات والتي تسير بمعدل يصل بها الى المبلغ المطلوب خلال سنة . ويبقى الكل في انتظار أن يصيب الخاطفين الملل فيطلقوا سراح الصيادين أو تحدث معجزة ويتدخل رجل أعمال ويدفع المبلغ كما يحدث في صفقات الكرة .

١٥‏/٧‏/٢٠٠٩

نجمة الغرفة الخاوية

يوم جديد
لا تتبعيني كفاني خطو مبتئس ٍ
أو تسبقيني كفاني نأي مبتعد ﹺ

شعر..فاروق شوشة
قصيدة..كلاسيكية
ديوان..لغة من دم العاشقين

كنت في حال غريبة من الصفاء ، لا أعرف ﺇن كان سببها نفحات النسيم الباردة التي أتى بها الليل بعد نهار قائظ ، أم لأن عجلة الايام بدأت تسرع الدوران ، وصورة الجرح تبتعد ، وصرت أستطيع أن أرى الأمر كله بشكل أهدأ وأعقل . سيطرت عليّ رغبة في الحكي ، في أن ألقي بكل شيء بين يدي صديقي المقرب ، لا طلبا لرأي أو مشورة فالأمر قد قضي بالفعل ، لكن لأستعيد ما جرى وأنظر ﺇليه مكتملا منذ بدايته الأولى وحتى النهاية . من أين أبدأ ؟ ليكن منذ أن هاتفني مديري وطلب أن أذهب ﺇلى أحد الفنادق برفقة (رياض) – مسئول شركة الدعاية واﻹعلان التي نتعامل معها – كي نقابلها . علا سليمان ؟ الممثلة ؟! سألته وأنا غير مصدق . حسدني مازحا على هذه السهرة ، وقال – وسط ضحكه - ﺇنه لولا السفر لما فوت فرصة كهذه . نبهني ألا يأخذني جمالها فأقبل بشروطها في العقد وأن العمل هو العمل . أغلقت الهاتف ولم يزل ذهولي . ثم عدت بالذاكرة قليلا ، فتذكرت أحاديث جرت في أروقة الشركة عن النية في حملة ﺇعلانية ضخمة يقوم بها نجم أو نجمة من المشاهير . طرح اسمها ضمن آخرين وأخريات . لكن أن يتم الاتفاق معها ، وأن أقوم أنا بذلك ، فهو شيء لم يخطر لي على بال . شيء أقرب ﺇلى حلم ، أو بمعنى أصح تحقيق حلم قائم منذ سنوات . أظن هنا البداية الحقيقية . حين شاهدتها لأول مرة في فيلم تؤدي دورا صغيرا لا يتعدى ثلاثة مشاهد . أخذني وجهها منذ اللحظة الأولى . احتل الصورة بأكملها . بحثت عن اسمها في التتر . قرأته في مقال الناقد مشيرا ﺇليها بالوجه الجديد المبشر . بعد ذلك شاهدتها في مسلسل تلفزيوني ، وفيلم آخر . ليست مجرد فتاة جميلة . شيء غريب كان يشدني نحوها ويشعرني بالسعادة ما أن أراها . لمع نجمها سريعا . بعد سنتين صارت بطلة . أول مرة رأيت فيها ﺇعلان الفيلم في الشوارع وصورتها تزينه كنت في طريقي ﺇلى الشركة . أخبروني أنني نجحت واخترت للوظيفة من بين المتقدمين ، وأن ما انتظرته طويلا قد تحقق . قلت يومها ﺇننا مرتبطان . فكرت أننا سوف نجتمع يوما ، لكن هذا لم يقلل من دهشتي حين حدث بالفعل !
لا أذكر ما حدث بعد مكالمة مديري . لابد أنني ارتديت بذلتي .. تعطرت ..فكرت ..فرحت..ارتبكت..لا أذكر ﺇلا وأنا أراها عن بعد ، جالسة تداعب طفلة صغيرة مع والدتها وتكتب لها شيئا . شعور غريب أن ترى على الطبيعة ما اعتدت أن تراه في الصور أو على الشاشة . كأنك تعرفه ولا تعرفه . صافحتها وتمتمت بعبارة ترحيب وجلسنا . بادر رياض بكلام مجامل لبق ، وأنا صامت . حتى ذوبت هي الجليد بكلامها العفوي وابتسامتها العذبة فكأنني أعرفها منذ سنوات . كأنني ؟! ألا أعرفها بالفعل ؟ كيف وصورتها جوار فراشي هي آخر ما أراه قبل النوم ، وأول ما أفتح عيني عليه في الصباح ؟ لا يؤنسني سواها منذ أن صرت أعيش وحدي تاركا أهلي في بلدتنا . رافقتني في أمسيات الفراغ والأرق . ملأت مخيلتي في ليالي تأجج الرغبة وفورة الجسد . هونت عليّ تسلط الأوامر ودسائس الزملاء . كنت أنظر ﺇليها ، وأغمض عيني وأذهب بخيالي بعيدا عن كل شيء . بعد هذا اللقاء بدأت الاتصالات واللقاءات تتوالى ، والحديث يخرج عن نطاق العمل ، ويمتد لنتحدث عنها وعن نفسي وعن كل شيء آخر . كلمتها عن الفيلم الأول . قلت ﺇنني توقعت نجوميتها من خلاله . اندهشتﹾ أنني أتذكر دورها فيه . حدثتني عن حبها للنوم الطويل ، عن عدم هنائها به في ساعات العمل ، عن عشقها للسفر والرحلات . لم أقل لها ﺇنني لا أحب السفر . تركتها تسترسل مستمتعا بألفة رأيتها في عينيها تجاهي . قضينا يومين رائعين في الغردقة في تصوير اﻹعلان الأول . لأول مرة شاهدتها من خلف الكاميرا . كان شيئا غريبا . ﺇضاءة .. عمال في كل مكان ..لقطات تؤديها وتعيدها مرات بنفس الطريقة ..حين سألتﹾ عن رأيي قلت ﺇنها رائعة . أضفت بابتسامة أن الفستان لو كان أكثر احتشاما لكان أجمل . ضحكتﹾ . صرنا نلتقي كلما سنحت لها فرصة . كنت أضيق بالناس الذين يطلبون توقيعها ويأخذون معها الصور . طوال عمري أكره أن أكون محطا للأنظار . أصبحت محطا للحسد أيضا . مع هذا فقد كنت حتى هذا الوقت سعيدا ، سعيدا جدا . لكن لا شيء يدوم . متى حدث التغير ؟ لا أعرف بالتحديد . أظنه بدأ عندما قرأتﹸ خبرا في مجلة عن علاقة تجمع النجمة الشهيرة بشخص من خارج الوسط الفني ، شوهدا معا في عدة أماكن عامة . أغضبني الخبر مع أنه حقيقي . صرت أشرد وهي تتكلم. أستثقل الوقت . أتلفت حولي . أرى هؤلاء المعجبين يقتسمون الوقت الضئيل الذي تقضيه معي ، ويأخذون أكثر من نصيبي . أتى صوتها عبر الهاتف بعد غياب أيام . بادرتها : أين أنت ؟ قالت : في فرنسا . هتفتﹸ: ما أبعدك ! كانت تحضر مهرجانا يعرض فيه فيلمها . عادت ﺇليّ بساعة أنيقة . أرتني عقدا وقرطا اشترتهما من بيت مجوهرات شهير هناك . تذكرت حليّ أمي - رحمها الله - التي باعتها من أجلي لأستكمل ثمن شقتي . قرطها الذهبي الذي اشترته من الصائغ المقابل لبيتنا ، ومازلت أحتفظ به في خزانتي . تساءلتﹸ : أي بيت يمكنه أن يجمع هؤلاء معا ؟ قالت ﺇن فوارق المال لا تعني لها شيئا . أجبت بأن الأمور لا تتوقف عليها وحدها. بدأت أشعر بانعدام الوزن . حاولت أن أستعيد هدوء تفكيري دون ضغوط . أتجاهل اتصالاتها . أحدثها في آخر اليوم باقتضاب وأتعلل بضغط العمل . أفتح التلفاز لأجدها . يهمس البطل في أذنها . تضحك . يطوقها . يقبلها . أحترق . تتوالى المشاهد . الكاميرا تتبع تفاصيل جسدها ببطء ، والرداء يكشف عن فتنة تأسر العيون . أتخيل كل هذه العيون تحدق فيها . أتخيلها تلتقي بعيني . أغلق التلفاز . صحيح أنها نادرا ما تؤدي أدوار ﺇغراء ، لكن دورا واحدا ..مشهدا واحدا سوف يبقى ويعاد عرضه ﺇلى الأبد . تشعر بتباعدي . تأخذها كرامة الأنثى فتبتعد . أو هي كبرياء النجمة ربما . مجرد نظرة ﺇلى وجهها كانت تعيدني . . صرنا نقترب ونبتعد كالمتأرجحين . قررتﹾ أن تحسم الأمور ، أن نعلن ارتباطنا رسميا . ضربتﹾ موعدا أعطيها فيه ردي الأخير . فكرتﹸ. ترددتﹸ . في داخلي صوت يقول : لن تجد سعادتك . آخر يصرخ : كيف يسعى ﺇليك حلمك فتدير له ظهرك ؟ ارتديت ثيابي . ثم جلست ولم أغادر البيت . دق جرس الهاتف . رأيت رقمها مرارا ولم أرد . سكت . مرت بضعة أيام من الصمت ، ثم اتصلت بها واعتذرت . قلت ﺇننا لن نجد سعادتنا معا . أبلغت مديري أن يكلف غيري بأمر اﻹعلانات .
سكتّ . نطق صديقي أخيرا :
-شيء غريب . كلنا نحب النجوم . لكن أن تكون في السماء فهو مخيف جدا . مجرد النظر ﺇلى الأرض يصيبك بالدوار .
-الأغرب أنني عدت أحلم بها كما كنت في السابق . أنسى مع تخيلها كل شيء . حتى أنني أعدت الصورة ﺇلى مكانها بجوار الفراش .
-لماذا ؟
-لا أدري ..لكن الغرفة في وجودها أجمل .

١٥‏/٦‏/٢٠٠٩

أطياف شجر ورضوى


يوم جديد

وأمي حافظة شوارع مصر بالسنتي

تقول لمصر ياحاجة ترد : يابنتي

تقول لها احكي لي

فتقول :ابدأي انتي

شعر..تميم البرغوثي

(متحدثا عن والدته د.رضوى عاشور)

قصيدة وديوان ..قالولي بتحب مصر؟ قلت مش عارف

حين يشرع الكاتب في ﺇبداع عمل قصصي فانه يبتكر شخصياته ، ويرسم ملامحها وتفاصيلها ، ثم يخلق لها أحداثا تتفاعل معها ، ليبث من خلالها –الشخصيات والأحداث- أفكاره ورؤاه أوصرخته التي يريد أن يسمعها الجميع ، وقد يستعين بتجاربه الشخصية والمواقف التي عايشها ليضعها في طريق بطله المتخيل ، بينما تبقى شخصية الكاتب الحقيقية في الظل ، مختفية خلف هذا البطل ﺇلا في أعمال السيرة الذاتية . كما أن القارئ يتلقى العمل في صورته النهائية ، بعد أن تنمو بذور الأفكار وتكتمل ، وينتهي الكاتب من اﻹضافة والحذف والتعديل والتغيير ، ويقدم عمله في كامل زينته ﺇلى يد قارئه . لكن في روايتها (أطياف) تصنع رضوى عاشور شيئا مختلفا . فهي تأخذ بيد القارئ لتريه (مطبخ) العمل ، وتجعله يعايش معها مراحل الكتابة ، ويشاركها الأفكار التي ترد على خاطرها في أثنائها . هذا الشيء المدهش يفاجئ القارئ منذ الفصل الأول الذي تتقافز فيه الأحداث ما بين جدة (شجر) ثم شجر الطفلة ثم كهولتها ..
"ماذا حدث ؟ لماذا قفزت فجأة من شجر الطفلة ﺇلى شجر في كهولتها ؟أعيد قراءة ما كتبت ، أتملاه ، أحدق في الشاشة المضاءة ، أتساءل:هل أواصل حكاية شجر الصغيرة أم أعود ﺇلى الجدة القديمة وأتتبع مسار ذريتها وصولا مرة أخرى ﺇلى الحفيدة ؟"
تطلعنا الرواية التي نشرت للمرة الأولى عن دار الهلال سنة 1999 وأعادت دار الشروق طبعها في العام الماضي - على حكايتين : حكاية شجر المتخيلة وحكاية رضوى التي تسرد فيها الكاتبة أجزاء من سيرتها الذاتية .الشخصية الحقيقية هنا لا تتوارى ولكنها تظهر وتسرد ما حدث لها . وتبدو شجر كأنها انسلاخ من رضوى ، وتمضي الكتابة بين حياتيهما المتماثلتين ، بداية بالجذور : الجد والجدة والأب ، والبيوت التي نشأت فيها كل منهما ، ثم التدريس في الجامعة ، ثم فلسطين التي تقوم شجر بعمل بحث عن مذبحتها في دير ياسين ، بينما تعاني رضوى الأمرين من تعنت السلطات مع زوجها الفلسطيني مريد البرغوثي ، ومنعه من دخول مصر عدة مرات ، واضطرارها للسفر ﺇليه على فترات والعيش سنوات خارج مصر .
لا تمضي الرواية بالترتيب الزمني لأحداثها ، ولكن كأطياف منفصلة تمرق ثم تبتعد ، متوقفة عند محطات مهمة في حياتي البطلتين ، وفي حياة الوطن ، مثل ثورة 1919 وحرب الخليج الثانية ، واتفاقية السلام مع ﺇسرائيل ، وراوية الكثير من التفاصيل عن مذبحة دير ياسين . كل هذا من خلال لغة بسيطة وشائقة . حتى تنتهي الرواية باستقالة شجر من الجامعة احتجاجا على ما وصلت ﺇليه أوضاعها ، وأخذها سيارتها في رحلة طويلة من القاهرة حتى بورسعيد تتوقف خلالها وتتأمل في أكثر من مكان من مصر ، حيث تبدو لها الأطياف واضحة كل في مساره .
"لم تكن نائمة . لم يكن عقلها شاردا في الزمان . كانت شجر ترتب بيتها وتطمئن "

٢٥‏/٥‏/٢٠٠٩

استراحة قصيرة

يوم جديد
وتبثين رقة الشوق والأح
لام والشدو والهوى في نشيدي
بعد أن عانقت كابة أيا
مي فؤادي ولجمت تغريدي
شعر..أبو القاسم الشابي
قصيدة..صلوات في هيكل الحب
هل يمكن أن تكتب هذه التدوينة بدلا مني؟ ما رأيك أن أترك لك الصفحة بيضاء ناصعة وتكتب أنت فيها ما يتراءى لك ؟ فأنا أود أن أكتب شيئا لكن لا أجد ما أكتبه . لا أرغب في أن أفعل أي شيء . أريد أن أكتب ، لكن لا فكرة تلح عليّ لكتابتها ، ولا رغبة لي في أن أمسك بالقلم ، وأفكر ، وأكتب مسودة مبدئية، ثم أفكر من جديد ، وأعدلها ، ثم أختار مقطعا شعريا أصدر به التدوينة كما اعتدت . أريد - مع ذلك- أن أشعر أنني أنجزت مقالا أو قصة جديدة ، لكن لا رغبة لديّ ولا قدرة في أن أتعب فيه ، فهل يمكن أن ينجز من تلقاء نفسه ؟
قرأت مرة أن الكاتب يكتب ليشعر بمتعة الخلق ، وأعتقد أن جزءا من حب اﻹنسان لابنه أنه ينمو على يديه ، يترقبه وهو جنين في علم الغيب ، ثم وليد ، ثم يكبر يوما بعد يوم أمام عينيه ، قد يحتفظ بصوره في مراحل عمره المختلفة ، ويسجل كلماته الأولى وخطواته الأولى ، حتى اذا كبر تضاحك معه حول سذاجته أيام الطفولة ، ونطقه الغريب للكلام ، وأفعاله التي كانت تثير الغيظ واﻵن تثير الضحك ..الحقيقة أنني أعود ﺇلى هوامشي أحيانا . سعيدا. حين أرى المسودة الأولى ، ثم اﻹضافات التي أضفتها بقلم آخر في وقت ﺁخر ، والأسهم ، والملاحظات بين الأقواس ، والعبارات التي حذفتها ، أسعد حين أرى أن هذا تحول ﺇلى كتابة منسقة ومترابطة وضعتها هنا في النهاية . فكيف سأشعر بهذه المتعة ﺇن لم أقم بنفسي بالكتابة ؟ لا أدري..لكنني اﻵن لا أريد أن أكتب ، أريد أن أتوقف عن كل شيء ، أن أقضي بضعة أيام وحدي ، لا أرى أحدا أعرفه أو يعرفني . نوع من التأمل ؟ يجوز . وقد يكون رغبة في التخلص من الأيام المتشابهة والتفاصيل المزعجة المتلاحقة ، الأيام التي تبدأ وتنتهي وتمتلئ بأشياء أقوم بها فقط لأنني مضطر( مع أنني أكرهها ، ومع أنني واثق بعدم جدواها ، فطالما فعلتها ولم أظفر بشيء ) . أذكر جزءا من كتاب (أصداء السيرة الذاتية) لنجيب محفوظ يقول :
جاءني قوم وقالوا انهم قرروا التوقف حتى يعرفوا معنى الحياة ، فقلت لهم تحركوا دون ﺇبطاء فالمعنى كامن في الحركة..
لكنني لن أتوقف ، بل سأستريح بضعة أيام ثم أعود للمسير ، لعلي أعود أفضل مما كنت عليه ..
وقد لا تسمح لي الظروف بهذه الراحة التي أريدها ، وقد آخذها فيما بعد ، كما أنني أكتشف اﻵن أنني لم أترك التدوينة بيضاء ، فربما أقوم بذلك فيما بعد ..

١٦‏/٥‏/٢٠٠٩

انفلونزا العبث

يوم جديد
انتظرنا أن يمر الشعراء
ربما يمنحنا دفء الغناء
ربما ليلة حب واحده..
وتنصتنا لوقع الخطو..غربلنا الهواء
لم يكن الا سكون الصحراء
وطنين الأفئده !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..الضحك في دقيقة الحداد
ديوان..تعليق على ما حدث

من بين الأخبار المزعجة ، والمتابعات لوباء انفلونزا الخنازير ، وبين التهاني والمقالات الاحتفالية بعيد ميلاد الرئيس الحادي والثمانين – وجدت في الجريدة خبرا يستحق القراءة ، هو مبادرة أهالي دمياط بتأثيث 140غرفة تصلح للمنازل والعيادات الطبية ، من أجل ﺇرسالها الى ﺇخوانهم في غزة .
أهالي دمياط وعمالها لم يكتفوا بالحزن أمام ما رأوه من حال الفلسطينيين ، وقرروا أن يعملوا ، ويساعدوا أشقاءهم بأيديهم ، وصنعوا هذه الغرف لتكون (بداية) لمساهمتهم في ﺇعمار غزة . فالشعب الفلسطيني لا يزال يبني ، تدك بيوته وتقصف أراضيه ، ثم يعاود بناءها من جديد في ﺇصرار نادر جعله باقيا وصامدا كل هذه السنوات رغم ما يحدث له ، وﺇيمان بقوة العمران في مواجهة الخراب ، وقوة الرغبة في الحياة في مواجهة الموت . هم يعملون ، و ﺇخوانهم يساعدونهم بما أوتوا ، دون التفات لمشاحنات الفصائل ، وصراعات السلطة ، والحرب اﻹعلامية التي تتجه بوصلتها نحو هذا الفصيل أو ذاك ، أو هذه الدولة أو تلك . تركوا كل هذا العبث لكن العبث أبى أن يتركهم ، فحتى اﻵن لم يستطيعوا أن يبعثوا بما صنعوه ﺇلى غزة ، لأنه كما قال محافظ شمال سيناء لا توجد تعليمات تسمح بمرور الأثاث ، ولا أعرف ممن تنتظر التعليمات ، وهل ما يعطلها هي البيروقراطية وحدها ، أم أنه الجانب اﻹسرائيلي الذي يرفض ولا تقدر الدولة أن تمارس عليه ضغطا لتحقق ﺇرادة شعبها في شيء بسيط كهذا ، ويخشى صانعو الأثاث أن يتلف جراء تركه في المخازن ، ولايزالون في الانتظار ، ونحن لا نجد ﺇلا أن نترقب ما سوف تسفر عنه أزمنة الانتظار .

٢٦‏/٣‏/٢٠٠٩

عن الأمل

يوم جديد
يا خالق الكون بالحساب والجبر
وخالقني ماشي بالاختيار والجبر
كل اللي حيلتي زمزمية أمل
وازاي تكفيني لباب القبر ؟!
عجبي !
من رباعيات صلاح جاهين

11 صباحا
صوت المذيعة يصل اليّ عبر مذياع السيارة ،وهي تسأل المتصلة ان كانت ستكمل المسابقة أو تنسحب ، قررت المتسابقة أن تكتفي بالنقود التي حصلت عليها في دقائق معدودة ، مجرد صدفة جعلتها تفوز في السحب ، ويجري بها الاتصال ، لتستمع الى أسئلة تافهة تنوب المذيعة عنها –تقريبا-في الاجابة عليها . أغلب من يبعثون برسائل المحمول ويجرون الاتصالات بغية أن يحالفهم الحظ يدركون أن كثيرين غيرهم يحاولون ، وأن شركة الاتصالات والبرنامج هما الرابحان الأساسيان من الأمر كله ، لكن كلا منهم لديه من الأمل ما يقول له انه قد يفوز كما فاز غيره ، ولا ضرر من المحاولة ودفع نقود زهيدة مقابل مكسب ضخم (لو تحقق) . أتذكرعبارة جميلة قالتها شخصية في فيلم (المليونير المتشرد) حين سألها البطل عن سر مشاهدة الجميع لبرنامج المسابقات الشهير (من سيربح المليون؟) ..قالت انه فرصة للهرب . يضعك في حياة جديدة . شيء لا يختلف كثيرا عن أوراق (اليانصيب) أو حتى المقامرة ، وسيبقى مابقي هناك أمل في الفوز.
***
12 ظهرا
في موعدي تماما أصل الى ساحة انتظار السيارات ، لكن صفا من السيارات يتوقف منتظرا أمام مدخلها الذي أقرأ عليه لافتة :كامل العدد . حسنا سأصفها في الساحة الأخرى . وصلت فلم أجد بها أي مكان خال . اندهشت لهذا الزحام في يوم السبت والكثير من الأماكن في اجازة . لأكثر من ثلث ساعة كنت أدور حول الكلية وأدخل شوارع جانبية ضيقة وأخرج منها دون أن أجد بضعة أمتار خالية . لا يمكن أن أحصي كم مرة زفرت وضربت عجلة القيادة غضبا والوقت يمر وأنا أتأخر دون أظفر بحقي الطبيعي كانسان أنهى طريقه في أن (أغلق السيارة وأمضي) . تركتها صفا ثانيا لاعنا كل القوانين وأسرعت الى المحاضرة وليكن ما يكون . فكرت كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يحتملوا هذا الزحام الخانق ويتعايشوا معه ، كيف يحتملون أن يصلوا الى مقاصدهم بعد أضعاف من الوقت المفترض لقطع المسافة . لماذا لا يقوم سكان القاهرة كلهم باضراب ؟ الواقفون معذبين في انتظار مواصلات يتكدسون داخلها ، وقائدو السيارات المحبوسون داخلها في طرق لا تتحرك . هو الأمل ربما . الأمل في أن يجد المرء فرجة ينفذ منها وسط الزحام ويكمل طريقه . الأمل في الخلاص الفردي وحسب .
***
3عصرا
في طريق العودة . واحدة من بين السيارات التي تتحرك ببطء السلحفاة كانت سيارتي بالقرب من الاستاد . عبر من أمامي طفل صغير جميل في يده علم ناديه ويده الأخرى في يد والده .تابعته عيني الى الجهة الأخرى ماشيا نحو الاستاد . كبقية جماهير ناديه لم يفقدوا الأمل في خروج ناديهم من دوامة الأزمات والمعارك ، والخسائر المتلاحقة لسنوات . لولا هذا الأمل لانهار كل شيء . فكرت أنني كان يجب أن ألتقط صورة للطفل ، لكنني لا أملك ترفا كهذا وأنا أقود في ذلك الزحام . كم يحرمنا الزحام من الأشياء الجميلة !
بالتأكيد كان الطفل سعيدا عندما فاز فريقه في المساء وقدم مباراة ممتعة ، وأحرز أهدافا غزيرة لم يحققها منذ فترة ، معتمدا على لاعبين شبان يقول الخبراء انهم يمثلون الأمل في مستقبل أفضل للفريق . مادام هناك مستقبل فيجب أن يكون هناك أمل .

١٩‏/٢‏/٢٠٠٩

لماذا يتعبون ؟



يوم جديد

الأرض تنكر كل فرع عاجز

تلقيه في صمت..تكفنه الرياح

بلا دموع أو أنين

الأرض تكره كل قلب جاحد

وتحب عشاق الحياة

وكل عزم لا يلين

شعر..فاروق جويدة

قصيدة..اغضب ولا تسمع أحد

ديوان..كأن العمر ما كانا


مع كل مباراة أشاهدها لفريق (ميلان) الايطالي أتوقف باعجاب عند لاعبين : باولو مالديني وديفيد بيكام..

باولو مالديني..

باولو مالديني عمره اﻵن 40عاما و8 اشهر ، ومع ذلك فهو يلعب بصفة أساسية مع ناديه في الدوري الايطالي القوي والعنيف بدنيا بجانب البطولات الأوروبية . كيف يستطيع هذا اللاعب أن يؤدي بهذا المستوى وأن يلعب طوال الدقائق التسعين وأن يركض ويقفز وينزلق وهو في هذه السن التي نادرا ما يصل اليها لاعب كرة في الملاعب ؟ ربما لأنه نموذج للاعب الملتزم داخل الملعب وخارجه ، وللانسان الذي يحافظ على صحته وعلى الموهبة التي يملكها ، ويجتهد في تدريباته وفي الحفاظ على لياقته . لكن السؤال الأهم : لماذا ؟ لماذا يبذل كل هذا الجهد ؟ باولو الذي كان والده تشيزاري مالديني لاعبا مرموقا بالميلان ثم مدربا لم يعتمد على ذلك في الوصول ، لكن اعتمد على جهده وموهبته التي جعلته واحدا من أهم لاعبي العالم ، لماذا يلعب الى اﻵن ؟

المال؟ لا ينقصه. الشهرة ؟ لن تفارقه حتى يوارى التراب . الأرقام القياسية ؟ لديه منها ما يحتاج الى سنوات وسنوات كي يحطمه غيره (اكثر اللاعبين مشاركة في تاريخ الدوري الايطالي ، وأكثر لاعبي ايطاليا في المشاركات الدولية ،وأكثر لاعبي العالم وصولا لنهائي دوري الأبطال الأوربي ، وقميصه ذو الرقم 3 سوف يحجب بعد اعتزاله تخليدا له ، ولن يمنح الا لأحد أبنائه في حال احترف الكرة ) . موقعه مضمون في الجهاز الفني لناديه أو في أي مكان يحبه . لكنه يعمل لأنه يحب ناديه ويريد أن يساعده على الفوز ، ويدرك قيمته كقائد ورمز لناديه ، ولكي يسعد جماهيره ، ولأنه يدرك أن الاجتهاد في العمل هو في حد ذاته قيمة .

ديفيد بيكام

لاعب هو الأشهر في العالم ، تحدثت الدنيا كلها عن انتقاله التاريخي الى لوس أنجلوس جالاكسي الأمريكي ، والمبلغ الخرافي الذي يتقاضاه ، يلعب في دوري ضعيف بالنسبة لمستواه ..باختصار ليس في حاجة لأن يبذل أي جهد ، يكفيه أن يتنزه مع صديقه توم كروز ، ويحضر الحفلات مع زوجته المغنية فكتوريا ، وينفق أمواله الطائلة كيفما شاء ، ويتطلع الى الوراء لتاريخه الطويل مع مانشستر يونايتد وريال مدريد والمنتخب الانجليزي . لكنه لم يفعل شيئا من ذلك ، وقرر أن يستغل فترة الراحة بين الموسمين في الدوري الأمريكي ، وذهب معارا الى فريق ميلان ، ليبدأ في سن تقارب 34سنة رحلة في الدوري الايطالي الرهيب الذي لم يسبق له اللعب فيه ، ثم يبذل جهدا كبيرا في التدريبات لاقناع مدربه باشراكه أساسيا ، ويبذل قصارى جهده في المباريات ، يؤدي دوره في الجناح الأيمن ويساند في الوسط ويعود للدفاع ، ويحرز هدفين حتى اﻵن ، حتى أقنع المدير الفني للمنتخب الانجليزي باعادة استدعائه للمنتخب . لماذا ؟لأنه نجم حقيقي ، يعرف قيمة العمل وقيمة الاسم الذي صنعه ، ويحب اللعبة ويبذل كل ما لديه ليبدع فيها ، ويحترم جمهوره ومتابعيه ويحرص أن يكون قدوة جيدة لمن يشاهده .

هل عندنا – في الكرة أو في غيرها – من يعرف شيئا اسمه قيمة العمل ؟

٢‏/٢‏/٢٠٠٩

على الأرض..أم فوق السحاب ؟

يوم جديد
وأود أن أحيا بفكرة شاعر
فأرى الوجود يضيق عن أحلامي
شعر..أبي القاسم الشابي
قصيدة..قيود الأحلام
يقول ﺇبراهيم ناجي :
لست أنساك وقد علمتني
كيف يحيا رجل فوق الحياة
ويقول نزار قباني :
وأشعر أني أؤسس شيئا
وأشعر حين أحبك أني
أغير عصري
ويبدو في هذا الكلمات الفارق بين المنهج الذي يتبعه كلا الشاعرين في أشعار الحب التي أبدعها كل منهما ، ناجي في النصف الأول من القرن الفائت ، ونزار في نصفه الثاني .
يتحدث ناجي عن حبيبة هي أقرب الى التقديس ، وصفها مثالي تماما خال من أي نقص بشري ..يحدثها وهو ينظر الى أعلى ..الى السماء..
أنت يا معجزة الحسن ملك
كل لفظ منك شعر قدسيّ
ويقول :
قدماك ما انتقلا على درجِ
حاشاك بل خطرا على ثبجِ
كسفينة خفت على اللججِ
نشوى بما حملت من الفرجِ
تأمل هذا الوصف في قصيدة (الخريف)
أي سر فيك اني لست أدري
كل ما فيك من الأسرار يغري
خطر ينساب من مفتر ثغر
فتنة تعصف من لفتة نحر
قدر ينسج من خصلة شعر
زورق يسبح في موجة عطر
في عباب غامض التيار يجري
واصلا ما بين عينيك وعمري
لا يصف ناجي ما تراه عيناه ، أو لا يعطي المادة المحسوسة اعتبارا قدر ما يعطي خياله وروحه التي تنشد الجمال المطلق ..
مكان اللقاء عند ناجي هو دائما الطبيعة ..الخمائل والشجر والماء الرقراق
لك في خيالي روضة فينانة ﹼ
غنّى على أغصانها شاديها
ويقول في (الأطلال )
يا حبيبا زرت يوما أيكهﹸ
طائر الشوق أغني ألمي
تأمله وهو يتحدث عن طريق ليس فيه ﺇلا هو ومن يحب :
ومشينا في طريق مقمرﹴ
تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا ﺇلى أنجمه
فتهاوين وأصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معـﴼ
وعدونا فسبقنا ظلنا !
وفي جنح الليل الساكن الوديع ..
يا لها من حقبة كانت على
قصر فيها كـﺂماد فساحﹾ
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباحﹾ !
ويقول في (الوداع) :
يقظة طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليل والليل صديقﹾ
هذه الصورة السامية للحبيبة ، يقابلها شعور باستحالة امتلاكها ، فالبشري الضعيف لا يمكنه أن يصل ﺇلى الملك النوراني البعيد ، تأمل قوله في قصيدة (الغد) :
يا جنان الخلد قدمت اعتذاري
ﺇذ يطوف الخلد سقمي ودماري
أيها اﻵمر في ملك الهوى
اعف عن لهفة روحي وأواري
أشتهي ضمك حتى أشتفي
فكأني ظامئ آخذ ثاري
غير أني كلما امتدت يدي
لعناق ..خفت أن تؤذيك ناري !
ولذلك فاللقاء بينهما لقاء خاطف كالحلم ..لا يلبث أن ينتهي ويخلف الشاعر لى هجر طويل ومعاناة طويلة ..
حلم كما لمع الشهاب توارى
سدلت عليه يد الزمان ستارا
وحبيس شجو في دمي أطلقته
متدفقا ودعوته أشعارا
ويقول في (الخريف) :
أخيالا كان هذا كله ؟
ذلك الجسر الذي كنا عليه
والمصابيح التي في جانبيه
ذلك النيل وما في شاطئيه
وشعاع طوفت في مائه
وظلال رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي
ووعود نلتها من شفتيه !

مثالي في حبه تماما ، لا يتحول عن الاخلاص مهما يكن ، وكثيرا ما يعتبر هذا الأخلاص قيدا لا يمكنه الفرار منه :
لا أنت نائية ولا أنا نائي
ﺇني لديك مقيد بوفائي
.......................
لم أقيدك بشيء في الهوى
أنت من حبي ومن وجدي طليقﹾ
الهوى الخالص قيد وحده
رب حر وهو في قيد وثيقﹾ
بل هو يتمنى العودة ﺇليه لو ابتعد
كم تقلبت على خنجره
لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وﺇذا القلب على غفرانه
كلما غاربه النصل ..عفا
حتى بعد الفراق لا تجده الا فيما ندر يثور أو يسخط ، بل يحمل الحب والامتنان ..يتضح ذلك في بيته بقصيدة (شفاعة)
لا تنكرن الشمس عند غروبها
أوما نعمت بدفئها وظلالها ؟

هو ﺇذن يخلق عالما مثاليا تماما..حبيبة ملائكية ، ومحب مخلص لا يتحول عن الاخلاص ، ولقاء في أحضان الطبيعة الخلابة..ولذا تجد شعره صافيا موسيقاه رائقة وجمله سلسة يزينها حسن التقسيم وأبحره رقيقة كالرمل والرجز ، هذه النظرة ، وهذا السمو فوق الواقع العادي بتفاصيله ومتاعبه وكل صور القبح التي لا يخلو منها يجعل الحب في شعر ناجي تحليقا روحيا لا تطاله رغبات الجسد
وتلاشت واختفت أجسادنا
واعتنقنا في الدجى روحا بروح
بل يمنحه سموا فوق البشرية نفسها ..تأمل هذا البيت الرائع من الأطلال الذي لم تغنه (أم كلثوم)
ومن الشوق رسول بيننا
ونديم قدم الكأس لنا
وسقانا فانتفضنا لحظة
لغبار آدمي مسنا !
فوق عالم البشر بأكمله..
لست أنساك وقد علمتني
كيف يحيا رجل فوق الحياة !
*****
عند الحديث عن نزار قباني فالوضع يختلف ، فنحن أمام شاعر بدأ منذ ديوانه الأول بلغة مختلفة عن السائد ، وأدهش الكل بمفردات مستقاة من الحياة اليومية وبقصائد بعناوين (تليفون) و(أثواب) ، هو دائما يصف ما تراه العين ، يصف شيئا حقيقيا لكنه يغلفه باحساسه الخاص وخياله ..
شال الكشمير على كتفيك ..
يرق حديقة ريحان ِ
يدك الممدودة فوق يدي
أعظم من كل التيجان ِ
ويقول :
ﺇذا جئتني ذات يوم بثوب ﹴ
كعشب البحيرات أخضر أخضرﹾ
وشعرك ملقى على كتفيك
كبحر..كأبعاد ليل مبعثر ﹾ
نزار يعيش عالما واقعيا ، فهو يتحدث ﺇلى حبيبته عبر الهاتف ويجلس معها بالمقهى ويقرأ معها الشعر . تأمل حديثه المتكرر عن المقهى ..
دخلت اليوم للمقهى
وقد قررت أن أنسى علاقتنا
وأدفن كل أحزاني
وحين طلبت فنجانا من القهوه
خرجت كوردة بيضاء
من أعماق فنجاني
..............................
أجلس في المقهى منتظرﴽ
أن تأتي سيدتي الحلوه
أبتاع الصحف اليوميه
أفعل أشياء طفوليه

يقول في (بعد العاصفة) :
اني أحبك كيف يمكنني
أن أشعل التاريخ نيرانا
وبه معابدنا..جرائدنا
أقداح قهوتنا..زوايانا

وفي (ماذا أقول له ؟)
رباه أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف أنجو من الأشياء رباهﹸ
هنا جريدته في الركن مهملة
هنا كتاب معا كنا قرأناهﹸ
على المقاعد بعض من سجائره
وفي الزوايا بقايا من بقاياهﹸ

وفي الوقت الذي يبدو فيه ناجي ضعيفا أمام حبيبة مقدسة ، فنزار يجعل نفسه قويا معتزا بنفسه وبشعره ..فهو يقول متحديا من ينافسه في العشق :
أتحداهم جميعا
أن يخطوا لك مكتوب هوى
كمكاتيب غرامي
أو يجيئوك على كثرتهم
بحروف كحروفي
وكلام ككلامي
ويقول:
كتبت بالضوء عن عينيك هل أحد
سواي بالضوء عن عينيك قد كتبا ؟
وكنت مجهولة حتى أتيت أنا
أرمي على صدرك الأفلاك والشهبا
بل يزيد أن يفخر بحبيبته أيضا ، ويرفعها – معه – الى السماء :
يا التي من وجهها
تسقط أقمار الذهب
يا التي من صوتها
يبدأ تاريخ الأدب
يا التي تمشي
ويمشي خلفها حقل سنابل
وفي قصيدة (وقبلك كل النساء افتراض )
وقبلك ما كان للبحر اسم
ولا كان للورد اسم
ولا كان للشمس اسم
ولا كان مرعى
ولا كان عشبﹸ
وقبلك كل النساء افتراض
وكل القصائد كذب ﹸ
وتمثل الطبيعة جزءا مهما من شعر نزار قباني ،لكنها ليست الطبيعة الحالمة التي يرسمها ناجي من خياله ويهرب اليها من واقع الحياة ، بل هو يصف الطبيعة التي تراها عيناه ، في دمشق ، وفي بيروت ، وفيﺇسبانيا ، وأينما ذهب ، يحكي عن الشجرة الضاربة جذورها في بيته القديم بدمشق ، وعن البحر الذي يجلس أمامه في بيروت . يقول في (حبك طير أخضر):
حبك ينمو وحده
كما الحقول تزهرﹸ
كما على أبوابنا
ينمو الشقيق الأحمرﹸ
كما على السفوح
ينمو اللوز والصنوبرﹸ
كما بقلب الخوخ
يجري السكرﹸ
وفي (مع بيروتية)
بيروت تغيب بأكملها
رملا..وسماء..وبيوتا
تحت الجفنين المنسبلينﹾ
يصف نزار قباني ساعة الفراق بشكل غارق في واقعيته في قصيدة (ألا تجلسين قليلا ؟)
ألا تجلسين قليلا ؟
ألا تجلسين ؟
فان القضية أكبر منك
وأكبر مني
كما تعلمين
....................
ألا تجلسين لخمس دقائق أخرى
ففي القلب شيء كثير
وحزن كثير
وليس من السهل قتل العواطف في لحظات ﹾ
والقاء حبك في سلة المهملاتﹾ
فان تراثا من الحب والشعر والحزن
والخبز والملح والتبغ والذكرياتﹾ
يحاصرنا من جميع الجهاتﹾ
هذا التركيز على تفاصيل الواقع لا يجعله يسقط في الركاكة أو الابتذال ، ولكنه يأخذ المحسوسات ليمنحها من شاعريته ما يرتقي بها الى عالم الخيال والحلم ، فنجان القهوة لا يتوقف على كونه عادة يومية لكنه قد يقرأ ويبين المستقبل الخفي أو يبين أعماق النفس ، كما في (قارئة الفنجان) ، وكما يقول في (مع بيروتية):
المطعم أصبح مهجورا.
وأنا أتأمل فنجاني
ماذا سيكون بفنجاني
غير الأمطار ..وغير الريح
وغير طيور الأحزان ِ
ويتحدث عن حيرة التفكير في هدية عيد الميلاد ليرتفع بقيمة الشعر ..
في عيد ميلادك العشرين يا قمري
فكرت..فكرت في ما سوف أهديهِ
كل الخيارات تبدو لي محددة
يا من لعينيك كل العمر أعطيه
فكيف يفرح ﺇنسان حبيبته
ويكشف القلب عن أحلى أمانيه
الورد ؟ أصبح تقليدا اضيق به
والعطر ؟ لا امرأة الا وتقنيه
لذا سأرسل يوم العيد سيدتي
كتاب شعر فأرجو أن تحبيه

ومع نهاية العلاقة فقد يتحول الى الهجوم أو الثورة ، وتتحول رقته الى عنف بالغ :
أبعدي الوجه الذي أكرهه
أنت عندي في عداد الميتين
وفي قصيدته (النقاط على الحروف)
انزعي عنك الثياب المسرحيه
وأجيبي
من بنا كان الجبانا ؟
من هو المسئول عن موت هوانا ؟
من بنا قد باع للثاني القصور الورقيه ﹾ؟
من هو القاتل فينا..والضحيه ؟
من ترى أصبح منا بهلوانا
بين يوم وعشيهﹾ ؟
هو ﺇذن بشر يغضب ويثور ، بعيد عن المثالية أو الملائكية ، بعيد أيضا عن فكرة الحب العذري ، فالوصف الجسدي يتواجد كثيرا في أشعاره ..
لم تبق زاوية بجسم جميلة
ﺇلا ومرت فوقها عرباتي
لكن نظرته للجنس ترتفع عن مجرد ﺇشباع الغريزة ، يراه تتويجا للحب ، وحالة من الامتزاج والتوحد بين المحبين ..فهو يقول في قصيدة (الدخول ﺇلى البحر)
حدثت تجربة الحب أخيرا
حدثت من غير ﺇرهاب ولا قسر
فأعطيت ﹸوأعطيت ﹺ
وكنا عادلين ﹾ
حدثت في منتهى اليسر
كما يكتب المرء بماء الياسمين
ويتضح ذلك أكثر وأكثر في قوله :
فالجنس في تصوري
حكاية انسجامِ
كالنحت..كالتصوير ..كالكتابهﹾ
وجسمك النقي كالقشطة والرخام ِ
لا يحسن الكتابهﹾ
ويتحدث عن فقدان اللذة معناها في غياب الحب في ختام قصيدة (2000 تحت الصفر )
طلع الصباح وأنت جالسة
على طرف السرير ﹾ
وأنا أفتش تحت سطح الثلج
عن حبي الكبير ﹾ
طلع الصباح ولم أجد
حبي الكبير ولا الصغير ﹾ
هو في حبه بشر كسواه ، يعشق ويعتب ، يحنو ويثور ، يشبع غرائزه ، يصنع رومانسيته من الأشياء الصغيرة المحيطة به ، وينشد للحب وللجمال .
هكذا يبدو طريق اثنين من أهم شعراء الحب في القرن العشرين ، واحد يصنع حبه على الأرض ، واﻵخر يحلق مع أحلامه فوق السحاب .

١٦‏/١‏/٢٠٠٩

الألم

يوم جديد
الدم قبل النوم
نلبسه رداء
والدم صار ماء
يراق كل يوم !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..الموت في الفراش
" في الحياة العادية حين يتشابك الناس ويتضاربون ليس هذا بضرب ، فاحساس المضروب أن باستطاعته أن يرد الضربة يخفف كثيرا من وقع ما يتلقاه ، والألم الذي ينتج عنها يتبخر في الحال ويستحيل الى حافز يدفع صاحبه للهجوم والانقضاض . بالاختصار أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حرا أن ترده ..أنت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه ولا حرية لك ولا حق ولا قدرة لديك على رده..هناك تجرب الاحساس الحقيقي بالضرب ، بألم الضرب ، لا مجرد الألم الموضعي للضربة أو الألم العام الناتج عنها ، انما بألم آخر مصاحب ..أبشع..أقوى ، ألم الاهانة . حين تحس أن كل ضربة توجه الى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى الى كيانك كله ، الى احساسك وكرامتك كانسان . "
جزء من رواية (العسكري الأسود ) لـ (د.يوسف ادريس) يقفز الى ذاكرتي في هذه الأيام .

١٢‏/١‏/٢٠٠٩

أزمتهم وأزمتنا

يوم جديد
يا تلاميذ غزةٍ لا تبالوا
باذاعاتنا ولا تسمعونا
اضربوا..اضربوا
بكل قواكم
واحزموا أمركم
ولا تسألونا
نحن أهل الحساب
والجمع والطرح
فخوضوا حروبكم واتركونا
ﺇننا الهاربون من خدمة الجيش
فهاتوا حبالكم واشنقونا
نحن موتى لا يملكون ضريحا
ويتامى لا يملكون عيونا

شعر..نزار قباني
قصيدة..الغاضبون

من بين كل مشاهد القتل والخراب المتكررة التي تأتينا كل لحظة من غزة ، هل هناك جديد سوى أعداد الشهداء والمصابين التي تتزايد – بشكل مفزع- كل يوم ؟
ربما..هذه المرة لم تعقد قمة عربية يجتمع فيها القادة العرب ، ليمطروا الشاشات والصحف بعبارات الشجب واﻹدانة والاستنكار والرفض (من حسن حظهم أن اللغة العربية لغة ثرية جدا وبها كثير من المفردات لنفس المعنى) ، كانوا أكثر صراحة مع أنفسهم هذه المرة ، واعترفوا – ضمنا – بعدم جدوى هذه القمم . ربما الجديد أيضا ، هو كم الهجوم الذي يصب على المقاوم (حماس) وعلى حزب الله وﺇيران ، بما يكاد يوازي أو يزيد على ما يوجه ﻹسرائيل ..وهذه المحاولات (المريبة) لتصوير هؤلاء على أنهم أشد خطرا من ﺇسرائيل .
لكن أمام كل ما يجري في غزة ماذا فعلنا ؟
أتحدث هنا عن مصر ، فهي التي تعنيني ، ولا شأن لي بالدول العربية الأخرى ، لا بموقفها من العدوان ، ولا بالاتهامات التي كالتها لمصر ، وكما كتب الأستاذ (محمد حسنين هيكل) من قبل فان تصوير القضية الفلسطينية كان خاطئا منذ بداية الأزمة ، فهي ﺇن كانت بالنسبة لدول عربية أخرى بلدا شقيقا في العروبة واﻹسلام ، فهي بالنسبة لمصر بلدة جوار تفصلنا عنها حدود ، وقضيتها هي قضية (أمن قومي مصري) ، وﺇذن فنحن منغمسون في القضية شئنا أم أبينا . والقتلى الفلسطينيين ليسوا مجرد شهداء في بقعة من الدنيا نترحم عليهم ، ونحزن لما يجري فيهم ، ثم نواصل حياتنا العادية ، بل ﺇن دماءهم تتناثر علينا ، ومصابيهم يعالجون في مستشفياتنا (ليس بدافع الأخوة ولكن لأنها الأقرب مكانا ) ،وأظن الضابط المصري الذي قتل على الحدود ليس ببعيد ، ولا الضابطين والطفلين الذين أصابتهم شظايا صواريخ ﺇسرائيلية في رفح المصرية . وبالتالي فتخاذل النظام المصري في فتح المعبر ، وفي القيام بأي ضغط سياسي على ﺇسرائيل لا يؤثر فقط على ﺇخواننا في فلسطين ، بل ينسحب علينا في مصر ، ومن المؤسف أن دولة من خارج المنطقة ، غير عربية وغير مسلمة ، كفنزويلا تقوم بطرد سفير ﺇسرائيل من أراضيها كاحتجاج (ﺇنساني) ، ولا يكون التحرك المصري على نفس المستوى ،والأسوأ أن يصدر في نفس الوقت حكم قضائي ثان بعدم شرعية تصدير الغازﻹسرائيل ، ويضرب به عرض الحائط .
باختصار..
*النظام المصري قد لا يسعده ما يجري في غزة ، لكنه غير مستعد للتضحية بالصداقة اﻹسرائيلية – الأمريكية وخسارة صفقات مثل تصدير الغاز من أجل ﺇنقاذ الموقف .
*النظام في الوقت نفسه ، سيرتاح لسقوط حماس ، ويستغل الفرصة لشن الهجوم عليها وعلى التيار اﻹسلامي عموما ، ومنه اﻹخوان في مصر ، وهو يقدم نفسه للعالم على أنه المنقذ من خطر هذا التيار، وهو ولو كان لن يشارك في الاعتداء عليها ، لكن لن ينهض بكل قوته لتخليصها .
*الحكومة المصرية لا تلقي بالا بأي ضغط شعبي ، أو بالرأي العام ، ﺇضافة ﺇلى أنه ضغط غير منظم وعفوي ومؤقت ، سوف تتعامل معه ﺇما بالتجاهل ، أو بالتشديد الأمني واعتقال المتظاهرين ، وبعض تصريحات التهدئة (وتبدو المفارقة بين قادة ﺇسرائيل الذين يروجون للعدوان على أنه تأمين لمواطنيهم لكسب أصواتهم في الانتخابات القريبة بينما لا تمثل أصوات المواطنين لدينا لا في الانتخابات ولا في المظاهرات قيمة تذكر ! )
*كل ما هو متوقع من الدبلوماسية المصرية هو اتفاقات (ودية) مع الجانب اﻹسرائيلي من أجل (تخفيف) العدوان أو (السماح) بدخول مساعدات أو اﻹسراع بانهاء العمليات ولن تستجيب لها ﺇسرائيل ﺇلا بعد تحقيق أهدافها وفرضها على الأرض .
*لا يبدو واضحا لدى كثيرين أن الدولة الصهيونية التي تزداد قوة وغطرسة وتنكيلا بأعدائها ، ذات الميول التوسعية ، لا توجد في المريخ ولكن على حدودنا !