١٨‏/١٠‏/٢٠٠٧

لماذا يحب الأطباء الكتابة ؟






يوم جديد


والناس تسأل والهواجس جمة


طب وشعر كيف يتفقان؟


الشعر مرحمة النفوس وسره


هبة السماء ومنحة الديان


والطب مرحمة الجسوم ونبعه


من ذلك الفيض العليّ الشان


ابراهيم ناجي


ديوان 00في معبد الليل


ليس غريبا أن يهتم طبيب بالكتابة أو أن تكون له ابداعات أدبية في الرواية أو الشعر أو المسرح ، لكن مايثير الانتباه أن عددا غير قليل من النابغين في الكتابة محليا أو عالميا كانوا من الأطباء ، بل وكان كل منهم (علامة فارقة ) في مجاله ، الأمر يعنيني شخصيا لأني أدرس الطب وأحب الكتابة ، أنطون تشيخوف مثلا هو أحد أهم الأدباء في تاريخ الأدب الروسي ان لم يكن الأهم على الاطلاق00أمير القصة القصيرة الذي صوّر الحياة في روسيا في أواخر القرن التاسع عشر بمنتهى البراعة والذي يعتبره الروس واحدا من أسباب نهضتهم رغم النقد الشديد الذي كان يوجهه لمجتمعه00أرثر كونان دويل00الطبيب المغمور الذي ابتكر شخصية شرلوك هولمز المحقق الشهير وكتب سلسلة القصص البوليسية الشهيرة التي لا نزال نقرؤها حتى اليوم والذي حقق نجاحا مدويا وحصل على لقب فارس (سير) 00يوسف ادريس الذي طوّر بشكل كبير في فن القصة القصيرة العربية الى جانب ابداعاته المسرحية00ابراهيم ناجي الشاعر الرومانسي الفذ الذي لم يجد الزمان بمثل من يطاول قامته -في رأيي على الأقل- نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق 00نستطيع أن نقول ان روايات هذين الطبيبين الشابين أثرت في جيل كامل من الشباب تفتّح وعيه من خلال هذه الروايات الصغيرة وبدأ يعرف الأدب من خلالها وهي روايات ذات قيمة حتى وان تجاهلها النقاد00كما أننا نستطيع أن نعتبر نبيل فاروق رائدا فيما يمكن تسميته أدب الجاسوسية00علاء الأسواني طبيب الأسنان الذي أعاد الجمهور -بمعناه الواسع - الى قراءة الرواية بروايتي عمارة يعقوبيان وشيكاجو اللتين حققتا مبيعات قياسية وحصد كاتبهما جوائز عالمية00لكن كل هذا لم يجب على السؤال 00لماذا يحب الأطباء الكتابة ؟


ربما لأنهم يتعاملون يوميا مع أنماط مختلفة من البشر يحدثونهم ويسمعون اليهم ، ربما هذا يمنح خبرة كبيرة بالحياة وقدرة على رسم شخصيات أدبية-هذا من الأسباب التي يقول علاء الأسواني انها دفعته لعدم التخلي عن طب الأسنان-ربما أيضا لأن الطبيب يحتك بالانسان في لحظة شديدة الثراء هي لحظة المرض بكل ما فيها من مشاعر الألم والخوف والترقب والأمل00كل هذه (الطاقة )الشعورية يمكنها أن تفجر الابداع في روح الطبيب -اذا كان يحمل روح فنان-000ربما أيضا لأن كثيرا من الأطباء يكونون على قدر لا بأس به من الثقافة وهم بالتالي قراء للأدب وقريبون من ابداعه00ربما كل ذلك مجتمعا لكن المؤكد أن سلسلة الأطباء الأدباء لا تزال تتواصل وأن السؤال مازال في حاجة الى دراسة أعمق00


ملحوظة : هناك أسماء أخرى من الأطباء الذين اتجهوا للكتابة مثل أحمد زكي أبو شادي وأحمد تيمور في الشعر ولميس جابر كاتبة مسلسل الملك فاروق والقصاص المبدع محمد المخزنجي لكن صفة (العلامة الفارقة )لا تنطبق عليهم00


٣‏/١٠‏/٢٠٠٧

صور مشوهة


يوم جديد

أبيت في غربة لا النفس راضية

بها ولا الملتقى من شيعتي كثب

فلا رفيق تسر النفس طلعته

ولا صديق يرى ما بي فيكتئب

.............................

فهل دفاعي عن ديني وعن وطني

ذنب أدان به ظلما وأغترب؟

شعر00محمود سامي البارودي

قاله في منفاه00

1


خبر في الصفحة الأولى بالأهرام00قصر محمود سامي البارودي يهدم00البارودي من أعمدة الثورة العرابية00تولى الوزارة أيام الثورة وقاوم الانجايز حتى انهزم جيش عرابي ونفي البارودي الى جزيرة سيلان واحتل الانجليز مصر00سائق ميكروباص اشترى القصر من احدى حفيدات البارودي بعشرين مليون جنيه00كان البارودي من أهم الشعراء العرب في العصر الحديث ، كنا ندرس في الثانوية العامة أن صنيع البارودي مع الشعر هو بعث للحياة في جسد ميت00القصر المصنف في سجل المجلس الأعلى للاّثار كأحد القصور ذات القيمة التاريخية هدم في يومين فقط00كان البارودي من أعاد للشعر قوته وجلاله بعد عصور من الضعف والانحطاط00سائق الميكروباص دفع رشوة قدرها ربع مليون جنيه لأحد مهندسي الحي حتى يتمكن من هدم القصر00


2


في سيارة أجرة00كنت راكبا السيارة ضجرا من سوء المقعد ومن تأخري على موعدي00كان صوت المسجّل يعلو بأغنية لا أعرفها لمطرب شعبي لا أعرفه00فجأة وجدت المطرب يغني : هل رأى الحب سكارى 00سكارى مثلنا00كان يغنيها بلحن مغاير لهذا الذي وضعه السنباطي وغنّته أم كلثوم00كان أداؤه أقرب للسكارى فعلا00ظل يرددها ثم أخذته النشوة فأنشأ يشدو بايقاع راقص: ومشينا مشينا00عدونا 00عدونا00مشينا 00مشينا00عدونا00عدونا00



3


في المسجد00أحد أيام رمضان00دخلت لأؤدي الصلاة لكنني بعد أن فرغت منها لم أجد حذائي00بحثت عنه في كل مكان بلا جدوى 00سرق اذن00شعرت بسخط شديد على هذا الشخص الذي وضعني في هذا الموقف السخيف00وباحتقار شديد لمن سوّلت له نفسه أن يسرق من داخل مسجد وفي نهار رمضان00وباشمئزاز حين تخيلت موقفه وهو ينتظر خشوع الناس في الصلاة ووقوفهم بين يدي ربهم حتى يسرقهم بدم بارد00بعدها لم يكن الحزن الذي لازمني لفترة بسبب فقدي لحذاء جديد غالي الثمن00لكنّ حزني كان لهذا الشعور الذي كان ينتابني كلما دخلت مسجدا00قلق وتربص وحرص على أن يكون حذائي ومتعلقاتي أمام عيني00أين هذا من السكينة والاطمئنان الذين كنت أشعر بهما حينما تطأ قدمي أرض المسجد ، والاحتواء والاحتماء الذي يشملني حين أكون في بيت الله00لم يكن مجرد حذاء فقدته بل فقدت ما هو أغلى بكثير00