٢٠‏/٣‏/٢٠١٤

قراءة في مجموعة (أزمة حشيش ) لأحمد الملواني

يوم جديد
تفردت وحدك باليسرِ
إن اليمين لفي الخسرِ
أما اليسار ففي العسرِ
إلا الذين يماشون
إلا الذين يعيشون يحشون 
بالصحف المشتراة العيون
فيعشون 
إلا الذين يشون
وإلا الذين يوشون ياقات قمصانهم 
برباط السكوت .
شعر .. أمل دنقل
قصيدة ..صلاة
ديوان..العهد الآتي


كاتب يفتقد الحشيش ، يتراوح ما بين ضغط الاحتياج وبين الشعور بالسخافة الطاغي على كل شيء .. لايتحمل ضغوط العمل أو نفاق الوسط الأدبي ، في ظل هذه الحالة يكتب مجموعة من القصص القصيرة . يستخدم الكاتب أحمد الملواني أسلوب (قصة داخل قصة) للمرة الثانية في ثاني أعماله بعد (زيوس يجب أن يموت) . نذهب إلى قصة ثم نعود إلى الكاتب الباحث عن حشيش لا يتوفر إلا مع النهاية ، حيث يعثر عليه ويلقي بأوراق القصص في الهواء .

يبدو الانشغال بالأوضاع القائمة / القاتمة المسيطرة على البلاد هاجسا مسيطراً على المجموعة بأكملها ، التي وإن تجنبت أي حديث مباشر عن الثورة أو ما بعدها إلا أنها جميعا – ما عدا (خيال الضل) و (انفصال)  – تدور في فلك الرغبة في الإفلات من سلطة ظالمة قاهرة دون جدوي لتفضي إلى نهايات تعيسة يائسة . القصص تبتعد عن منطقية الواقع – غير المنطقي بالأساس – إلى خيال يقارب الفانتازيا حيث دمية (بينوكيو) التي تسعى لإثبات بشريتها ، ووحش الأناكوندا الذي يهاجم البشر ليتركهم بلا أدمغة ، والموتي الذي يسهرون ويتسامرون على أنقاض المدينة .. تكفي نظرة إلى صورة الرجل الصارخ جاحظ العينين على الغلاف لتشرح ذلك بوضوح.

لغة جيدة سهلة .. سرد مكثف وحوار قليل على مدى قصص المجموعة . بينما الحوار يطغى في الهامش الذي يحكي فيه الكاتب عن أزمة الحشيش . غير أن تشابه النهايات وهدوء إيقاع القصص جعل بالأمر شيئاً من الرتابة .

-أوان المد : بطلان من تيارين متعاكسين ، يسيطر عليهما الضلال ، لا يدركان شيئاً سوى مد البحر . يهربان كيفما اتفق وفي لحظة يحاولان العودة لكن عبثاً ، حين يدركهما المد الذي يأخذ الأخضر واليابس في طريقه . قصر حجم القصة يحافظ على إيقاعها جيداَ ، والعنوان معبر تماماً .

-انفصال : قصة تبدأ من النهاية ثم تتراجع زمنيا إلى أن نصل إلى بدايتها الأولى (ما أسماه نقض البنية الكرونولوجية الناقد الأدبي ) . قرار موفق حيث تبدو عودة البطلين إلى ماضيهما والتساؤل : كيف وصلا إلى هذه النقطة ؟ أهم ما في العمل . غير أن ذلك لم يحل أزمة تراجع الإيقاع الدرامي مع تقدم الحدث ..

-سيرة الإله الجديد : فكرة مبتكرة جيدة للغاية ، لكن المباشرة تضعفها . تأتي النهاية بروح ثائرة رغم الانهزام ومقتل البطل .

-طولة لسان : " أنا لم أعرف أبدا أنك قريبة مني إلى هذا الحد "

يقولها البطل مخاطبا الأناكوندا . جملة تلخص الأمر كله في نهاية القصة ، وتأتي كأفضل ما فيها . إنهاء الفقرات بأصوات مكتوبة مثل (إززززززززززززززززز) و (بييييييب بيييييب ) لم يكن في رأيي موفقاَ.

-كرم رئاسي : فكرة طريفة ساخرة تضفي حيوية على المجموعة ، وتكرار جيد لمقطع البداية في وسط ونهاية القصة مع تبدل الأحوال .

-خيال الضل : قصة بعيدة عن السياق نوعاً ، رومانسية إلى حد كبير . لغة جزلة رقيقة ، وسرد يورد الوقائع بجمل مختصرة تختصر الزمن على طريقة :
" وقف ضئيلاً أمام آبار البترول ، ووقفت هي أمام العالم ..عاد – هو – بنصره مغلفاً في حدائق، وصناديق ، ودفتر شيكات ..فتلقته – هي – بدموعها وشوق الأعوام .."
الإيقاع الهادئ يلائم العمل الذي يحتاج للتأمل ..والنهاية حزينة معتادة .

-رقصة بينوكيو الأخيرة : 
" أنا أتكلم ..أرقص..أضحك..أفكر..فما الذي ينقصني لكي تعترفوا بي إنساناً ، أو حتى شبه إنسان إن شئتم ؟ "
هكذا يصيح بينوكيو دمية الخشب أمام القاضي ، معبراً عن هاجس الرغبة في التحرر وإثبات الوجود المسيطر على الكتاب ، في صورة زاعقة، تعلو فيها نبرة الخطابة على دهشة الخيال الذي يغلف الشخصية والحدث .


-حدوتة بعد الموت : أنضج المحاولات وأكثرها تألقاَ ، منذ البدء بجماعة من الموتى يعيشون في عالم متداع على أنقاض المدينة بين دوامة تهدم الكون وبنائه ، يستمعون إلى أحدهم يروي قصة مرضه المفضي إلى الموت ، يزداد شوقهم وشوق القارئ لمعرفة الحدث . هنا الخيال مدهش : جسد البطل مشلول لكن ظله يتحرك ، يترنح ما بين رأي الطبيب الكبير وزميله الشاب المتصارعين . تفاصيل رائعة عن عائلته التي اعتادت إعلان موت أفرادها ثم  عودتهم للحياة ..التلاعب بالظل والنور في سرد الفقرات الأولى مع التعرف على ظل البطل ..استرخاء الطبيب الكبير في بيت البطل وسيطرته عليه في النهاية . هنا الخيال يؤدي دوره في الإدهاش ، والإيقاع لا يفتر ولا يفضي إلى ملل . أضاف الحوار كذلك حيوية كبيرة ..