٧‏/١٢‏/٢٠١٠

هدية بمناسبة الانتخابات

يوم جديد

تمر القطارات من قربنا

تمر الحضارات من فوقنا

تمر الزلازل من تحتنا

فلا نتأمل شيئا

ولا نتعلم شيئا

ولا نتذكر شيئا

ولا نتحمس حين مجيء الربيع

ولا نتأثر حين رحيل الشتاء

شعر..نزار قباني
قصيدة..لقد مر عشرون عاما علينا


ترى ونحن على هذه الحال من البراءة والسذاجة ، لو حدثتنا النفس الملعونة بالنزول من أبراج أفكارنا العاجية ، والجلوس تحت قبة البرلمان الذهبية ، ماذا كنا نخطب قائلين للناخبين ؟ ..
أما أنا فإني كنت أقول هكذا :
سادتي الناخبين !..
باسم (الديمقراطية) أتقدم إليكم ملتمسا عطفكم !..إني أحب الديمقراطية ، ومن ذا الذي لا يحب الديمقراطية ؟ ..تسألونني ما معنى هذه الكلمة التي تسمعونها هذه الأيام كثيرا ؟ ..تعريفها بسيط : " إن الديمقراطية هي أن رهطا من الجياع الحفاة يمنحون مرتبا شهريا قدره أربعون جنيها لرهط آخر من الثراة والعتاة ! "
لعل هذا المنطق يدهشكم ، ولكن تلك هي الحقيقة !..هنالك أعجب من ذلك ، فإن جوف الحقيقة مملوء دائما بالغرائب لمن أراد الغوص فيها !..إن بيننا - معشر المرشحين ، وبينكم معشر الناخبين - سوء تفاهم كبير ، فإننا نطلب إليكم أن تخدمونا وأنتم تحسبون أننا وجدنا كي نخدمكم ، أنتم تظنون (البرلمان) هو المكان الذي نتكلم فيه عنكم طول الوقت ، وعن جوعكم وفقركم وجهلكم ، ونبحث تحت قبته كل يوم عن وسائل رخائكم ورقيكم ، ونحن نرى في تلك القبة الذهبية شرفا ، لمن استطاع أن يقتنص تحتها مقعدا ، ونرى عضوية المجلس لقبا نتوج به أسماءنا ، ونزين به (بطاقاتنا) !..
إن عضوية البرلمان في نظرنا ليست إلا عربة (الرولزرويس) التي نرفع بها مركزنا الاجتماعي في أعين الشعب ، ونحن إذ ننفق المال في هذا السبيل إنما ننفقه ونحن معتقدون أننا نشتري به وظيفة أو لقبا أو مقاما ، فإذا ما ظفرنا بما نريد بفضل أصواتكم ووجدنا أيديكم العارية السمراء تحملنا إلى ذلك المكان ، فإننا نتربع فيه كالعرائس في (الفترينات) ، ومهما صحتم وناديتم وصرختم بعد ذلك فإننا لن نسمع أصواتكم ، لأن بيننا وبينكم حاجزا من زجاج ، ولن تستطيعوا أن تلمسونا أو تقربونا ، ولكنكم تستطيعون أن تشيروا بإصبعكم من خلف البلور ، فنحسب ذلك منكم إعجابا فنزداد صلفا وتيها !..
أيها الناخبون !..عجبا ‘ إني حقا لعلى غاية السذاجة إذ أفضي إليكم بكل هذا في خطبتي التي على أساسها أنتخب ..ما العمل الآن ؟..
أتنتخبونني برغم ذلك ؟..لعل صراحتي على الأقل تشفع !..

ملحوظة بسيطة : هذا المقال ليس لي ، وإنما هو لتوفيق الحكيم ، نقلته دون تغيير حرف واحد من كتابه (تحت شمس الفكر) ، الصادر سنة 1938 .