٢٦‏/٥‏/٢٠١١

وجهة نظر كاتب دراما

يوم جديد
وأود أن أحيا بفكرة شاعر
فأرى الوجود يضيق عن أحلامي
شعر..أبو القاسم الشابي
هناك شخص ينسلخ عن الكاتب ليرفض المشاركة في الحدث ، ويقف ليراقب من عل ٍ ويرى الأطراف كلها بشكل حيادي ، شخص يريد التحليل وليس التهليل ، غايته الأولى هي غاية أي كاتب وهي الفهم ..(*)
.....................................................
أرجو ألا تتسرع في اتهامي بالخيانة العظمى أو الإفراط في التشاؤم أو حتى الإصابة بمتلازمة ستوكهولم ، إن أخبرتك أن جزءا بداخلي متعاطف مع حسني مبارك الآن ، وأن جزءا بداخلي أثناء الثورة كان معجبا به ! تكفي نظرة تلقيها على ما كنت أكتبه هنا قبل الثورة لتنفي قطعيا حبي للرجل أو نظامه ، لكن اعذرني - صديقي القارئ - فأنا كاتب دراما أولا وأخيرا ، أسعى للصراع ، والصراع لا يتأجج إلا بين خصوم متقاربين في القوة ، لذا فوجود رجل هرم يسقط فجأة من أعلى الجبل إلى أسفله ، وتصب عليه اللعنات من كل مكان ، يجعل الصراع يسير في اتجاه واحد لا يخدم الدراما بكل تأكيد . هذا الشخص في داخلي كان معجبا بشكل ما بثبات رجل في هذه السن الكبيرة أمام هول الصاعقة التي تعرض لها ، وقدرته على إدارة الأزمة بإلقاء أوراقه واحدة تلو الأخرى دون انهيار أو استسلام سريع ، وتشبثه بكل الفرص في البقاء حتى آخر لحظة ، وإصراره على البقاء في البلاد دون هروب جبان يسقط البطل وينهي الصراع كلية ..
.......................................................
اعذرني يا صديقي إن كنت لا أبالي كثيرا بتفاصيل محاكمته ، فالذروة عندي هي تقديمه للمحاكمة كأي مواطن عادي ، ولا أظن أنه سيعيش حتى تنتهي المحاكمة أو سيمهله القدر ليقضي منها عُشر العقاب الذي سيوقع عليه..
اعذرني صديقي القارئ فأنا كاتب دراما ، لا أستطيع تجاهل تاريخ الشخصيات ولا الأماكن ، اعذرني إن كانت مشاهد ثورة يوليو تطبق على مخيلتي فلا أستطيع الابتعاد ، فأنا أتحسس من مصطلحات كالتطهير وشرعية الثورة ، وأفكار كفكر ( العهد البائد ) أراها الآن رأي العين وإن تغيرت الألفاظ ، لا أستطيع أن أنسى تفاؤل الشعب بالثورة وتهليل الإعلام لها ، ثم وصولنا بعد سنوات قليلة إلى الترحم على أيام الملك ..
لم يترك النظام السابق خيارا آخر سوى الثورة عليه ، ولم يكن ممكنا إسقاطه بطريقة أفضل وأسلم مما حدث ، لكن تبقى الثورة - أية ثورة - حدثا خطيرا وغير مضمون العواقب ، وما تم هو الهدم وهو أسهل كثيرا من البناء ..
................................................................
اعذرني صديقي القارئ فأنا كاتب دراما ، وكل قصصي تقريبا - ذات النهاية السعيدة - كانت تنتهي بأن يجد البطل أملا في الخروج من الأزمة ، ويضع قدما على الطريق الصحيح ، لكنني لم أصل به قط إلى غاية المنى أو إلى السعادة ، وها أنا - فجأة - أجد نفسي على طريق الخلاص ، فلا أعرف من أين تكون السعادة أو كيف المسير !!
......................................................................
(*) هذه الفكرة ونفس تعبير (الانسلاخ) كتب عنهما محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) راويا تجربة اعتقاله ضمن اعتقالات سبتمبر ، وأنه تحول من ضحية إلى مجرد صحفي يرصد ما يراه بتجرد كأنه لا يحدث له شخصيا .