٢٦‏/٤‏/٢٠٠٨

عضوية شرفية ومشرّفة!

يوم جديد
غمست سنك في السواد يا قلم
علشان ما تكتب شعر يقطر ألم
مالك جرالك ايه يا مجنون وليه؟
رسمت وردة وبيت وقلب وعلم!
عجبي!
من رباعيات ..صلاح جاهين

" هل أخذت بطاقة ؟"
أوقفني سؤال العم إبراهيم وأنا أكاد أجتاز الباب لاهثا من طول المسافة وحرارة الجو – وكان قد أتحفني بأسئلته المكرورة وأنا أصعد الدرج عما إذا كنت قد أتممت دفع المبلغ المستحق عن نصفي العام الدراسي وهي أسئلة يعيدها على كل طالب يدخل الى الدرس بطريقة ﺁلية حتى أنني أظنه يرددها في أحلامه أو حين يفيق من نومه - فعدت خطوتين للخلف وسألته :
- لم آخذ بطاقة ..أين هي ؟
كان اليوم دور مجموعتي في التدريب العملي على الحالات حيث يقسم مدرس الأمراض الباطنة الطلاب لعشر مجموعات لكل منها يوم محدد للتدريب على فحص الحالات المرضية التي يأتي بها الى مكان الدرس..
اقتادني الى غرفة عن يمين الممر وناولني علبة خشبية بها مجموعات من البطاقات رُبطت كل منها برباط كأوراق النقود ، وبدأت أحل رباط كل مجموعة وأبحث – وهو أيضا- عن اسمي في احداها ..
- محمد..مجدي..مادونا..مصطفى..مروة..هذه كلها بحرف الميم ..أعدت ربطها وأخذت أخرى
سامي..سماح..سامي..سالي..شيماء..وهذه بالسين والشين فلأبحث عن حرف الألف اذن
ﺁية..أسماء..أحمد عبد الله..أحمد عبد العزيز..ايهاب..
- اسمي ليس هنا
قلتها بضجر فأتى بدفاتر وقال:
- ابحث عنه في كشوف الأسماء اذن
وبدأنا رحلة مضنية للبحث في كشوف طويلة كأنها سجلات مواليد لاحدى القرى وانضم لنا أحد العاملين بالمكان والعم ابراهيم لا يفتأ يسألني كل دقيقة:
- قلت لي ما اسمك؟
فأعيده عليه حتى كرهت الرجل وكرهت اسمي ووسط هذا العناء وجدتني أصيح فجأة كما صاح أرشميدس:
- وجدته! ها هو اسمي!
فنظر اليه والى المبلغ المدفوع المدون بجانبه ثم قال:
- متى دفعت النقود؟
- منذ شهر ونصف الشهر تقريبا
- حسنا ربما لم تعد بطاقتك بعد..سوف تأخذها في المرة القادمة .
البطاقات التي كنت أفتش عن بطاقتي بينها كان مكتوبا عليها :
(جمعية السيدات المؤمنات)
وهو المكان الذي أحضر فيه الدرس – وأذهب اليه منذ ما يربو على خمسة شهور دون أن أرى أيا من هؤلاء السيدات المؤمنات- بعد أيام سيتحقق الحلم الذي لم أحلم به وسيحدث ما لم يخطر لي يوما على بال..سأحمل بطاقة عضوية بجمعية السيدات المؤمنات ..اللهم قوّ ايماننا جميعا !

٢١‏/٤‏/٢٠٠٨

شمس المسجد

يوم جديد
يومئ يستنشدني
أنشده عن سيفه الشجاع
وسيفه في غمده يأكله الصدأ !
وعندما يسقط جفناه الثقيلان ..
وينكفئ
أسير مثقل الخطى في ردهات القصر
أبصر أهل مصر
ينتظرونه..
ليرفعوا اليه المظلمات والرقاع!
شعر..أمل دنقل
قصيدة..من مذكرات المتنبي
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

طالما اعتبرت نفسي من المحظوظين منذ أن انتقلت للسكنى في بيت مواجه لذلك المسجد العريق ، فمن يومها وأنا أشعر أنني أعيش في رحابه التي تشع أمناﹰ وسلاماﹰ .. كلما دخلته وشاهدت زخارفه واستنشقت عبقه أحسست أنني أسافر في رحلة عبر الزمن مستعيدا تاريخه الطويل الذي يعود لفترة الفتح اﻹسلامي ، وكثيرا ما شعرت أن أشعة الشمس التي تمر من فتحات شرفاته لها لون ودفء لا أراه في أي مكان ﺁخر..عاودتني نفس المشاعر وأنا أدخل المسجد لصلاة الجمعة ، أديت ركعتي التحية واتخذت مجلسي مستندﴽ إلى أحد الأعمدة منتظرﴽ صعود الشيخ (عبد الحكم) ﻔﺈذا بي أرى رجلا ﺁخر لا أعرفه يأخذ مكانه على المنبر ..ملت على الجالس الى جواري وكنت أعرفه ﺇذ كان يملك متجرا في نفس الحي وسألته فقال ﺇنه لا يعرف الرجل وﺇن كان قد رﺁه مرة مع الشيخ (عبد الحكم) يحمل عنه حاجياته ، فخمّنت أن المرض قد اشتد على الشيخ – وكان قد بدا عليه في اﻵونة الأخيرة – وأن هذا الرجل ذا البشرة القمحية والملامح الصارمة سوف ينوب عنه في أداء خطبة هذه الجمعة ..
بدأ الرجل خطبته بالصلاة والسلام على النبي والديباجات المعتادة ثم أخذ يتحدث في أمور شتى لم أر بينها رابطا.. تارة عن طاعة أولي الأمر وتارة عن الهجرة وتارة عن العبادات، ولا يقول في كل موضوع إلا كلمات تافهة يعرفها أجهل الناس بل ويقول نقيضها بعد حين، وزاد الطين بلة ركاكة أسلوبه وأخطاؤه اللغوية الساذجة وﺇن كان يملك صوتا جهوريا وحماسا واضحا لما يقول ، لكن ما أثار دهشتي هم هؤلاء الرجال في الصفوف الأولى فلم يكونوا من مرتادي المسجد أو أهل المنطقة وكان الواحد منهم يرفع صوته سعيدا وطروبا بما يقوله الشيخ الجديد كأنه جوامع الكلم ..
"ما شاء الله ..زدنا من علمك يا مولانا..علّمنا مما علّمك الله"
أخيرﴽ أقيمت الصلاة فانتظمت في أحد الصفوف في وسط المسجد وبدأ الرجل في التلاوة فقرأ الفاتحة ثم ﺁيات من سورة النور ﻔﺈذا به يخطئ في القراءة فانتظرت أن يردّه الواقفون في الصف الأول فلم يفعل أحد فبدأت أجهر باﻵيات لكنه أكمل على خطئه فرفعت صوتي لأقصى ما استطعت فلم يفد شيئا وركع اﻹمام فركعت ثم سجد وقام للركعة الثانية وبعد الفاتحة بدأ يقرأ واحدة من قصار السور فقلت في نفسي إنه أدرك الخطأ وﺁثر السلامة لكنه أخطأ فيها أيضا وحدث ما حدث في الركعة الأولى ، وأردت بعد انتهاء الصلاة أن أذهب اليه وأناقشه فيما حدث ، فوجدت رجال الصفوف الأولى يحيطون به كالسياج ويتحدثون اليه بود وإكبار وتصلني منهم كلمات :
" لا تتركنا يا مولانا ..لا تبخل علينا بعلمك .."
فقدّرت أنني لن أتمكن من الوصول اليه وبدأت أتحدث مع مرتادي المسجد ونحن في طريق الخروج عن الرجل فقال أحدهم إنه يبدو من كبار العلماء ومتعمقا في ما يقول وان كان هو لم يفهم مما قاله الشيء الكثير ، بينما اكتفى ﺁخرون بالصمت وبدا عليهم عدم الرضا لكنهم أسرعوا الى السعي على أرزاقهم . ولدى الباب وبينما كنت أنحني لأنتعل حذائي ﺇذا بجماعة من الرجال تحيط بي كمّمني أحدهم وتعاونوا جميعا على شد وثاقي ثم سمعت صوتا من خلفي يصيح ﺁمرﴽ:
خذوه !عرفت فيه صوت أحد رجال الصف الأول ، واقتادني الرجال وسط مقاومتي اليائسة الى مكان مجهول لا أثر فيه للشمس..

١٥‏/٤‏/٢٠٠٨

الرثاء

يوم جديد
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفله ؟
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبة لأبي
يدللها كطفلته..
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها ويطعمها
ويغمرها برحمته
ومات أبي
ومازالت..
تعيش بحلم عودته
شعر..نزار قباني
قصيدة..خمس رسائل الى أمي
ديوان..الرسم بالكلمات


" كأنه الأمس حين كنت واقفا ﹰ في السرادق أتلقى العزاء.. ذاهلا وشاردا أسمع صوت تلاوة القرﺁن كأنه يخرج من أعماق سحيقة ويتردد صداه من حولي في كل اتجاه ، ويصافحني المعزّون فأشكر سعيهم دون أن أسمع منهم شيئا كأن شخصا ﺁخر يرد عني..هل مرت ثلاث سنوات حقـﴼ ؟ فلماذا لا تزال لذعة الألم تضربني بسياطها وتأخذ القلب بين حين وﺁخر من حزنه الصامت وشجنه الهادئ الشفاف ؟ "
أمسك بالورقة وأخذ يعيد قراءة ما كتبه معدلا في صياغته أحيانا أو راضيا عنها في أحيان أخرى ، ثم بدأ يرتب أفكاره وينتقي كلماته التي سوف يرسلها الى الجريدة كي تنشر في صفحة (الأعزاء لا يرحلون)..منذ فترة يقرأ الصفحة بانتظام ويتأثر بما يكتبه القراء عن أهليهم وأصقائهم المقربين الذين رحلوا عن الدنيا ..ولكنه حين قرأ لتلك الفتاة التي كتبت تنعي أباها منذ يومين وشعر هذا الاختلاج في نفسه وهو يطالع كلماتها وأحس حزنا غريبا على رحيل رجل لم يكن قد عرفه يوما- قرر أن يكتب هو اﻵخر..
" لم ترحل يا أبي بل تساميت ، لا تزال روحك معي أشعر بها كلما دخلت البيت أو رأيت شيئا من أشيائك، لا تبخل عليّ بزيارتي في منامي فأراك في ثيابك البيضاء تضحك لي وتربت على كتفيّ أو تشير الى أختي كأنك توصيني بها ..دائما أنت موجود لكن ما يحزن أنني أنا من لم أعد أستطيع الوصول ﺇليك ..أسمعك ولا أستطيع أن أحدّثك،أراك ولا أقدر أن أحتضنك.. كأنك النجم الذي يبعث نوره في كل ركن ولكنه لا يلمس ولا ﻴرى الا على البعد "
رفع القلم وهو يشعر أن صدره يموج بالانفعال ، وعاودته المشاعر الرائقة التي واتته وهو يقرأ ما كتبته الفتاة عن أبيها وانتظر لحظات حتى هدأ ثم ابتسم وقال في نفسه:
" لا زلت أكتب جيدا "
وعاد يتذكر سنوات مضت ومعارك خاضها بغية دراسة الصحافة التي يحبها منذ صغره- لم يخرج منها منتصرا أمام الضغوط ثم خلّفته الى عمل لا يحبه وان لم يعد يكرهه..
" لم ترحل..دعواتك لي لم ترحل..حنانك ونصحك وطاقة النور التي كنت تفتحها لي كلما ضاقت عليّ الدنيا ..فقط أريد منك أن تسامحني ان لم أكن بررت بك ما تستحق – وكيف لمثلك أن يوفى ما يستحق؟- أو ان كنت لم أدرك الا متأخرا أن شدتك عليّ أحيانا – وأنت الحليم – ما كانت الا في صالحي..أظن قلبك الذي اتسع لحنان أب وأم معا بعد رحيل أمي سوف يغفر لي ، وعزائي أنني أنفذ ما أوصيتني به في معاملة زوجتي – وهل تعلمت الحب واحترام شريكة العمر الا مما كنت تفعل مع أمي – وأنني أرعى أختي متلمسا خطاك في رعايتها ..وليتقبل الله دعواتي لك بالجنة وطيب المثوى "
راجع ما كتبه مرة أخيرة ثم أعاد كتابته بخط منمق في ورقة أخرى موقعا في ﺁخرها :
ابنك /....
فكر قليلا ثم كتب:
شريف علي عبد العظيم
فاجأه فتح عنيف لباب الغرفة والصوت الغاضب الذي صاحبه:
* ألم تسمع كل هذه النداءات؟ هل مت أم أصابتك غيبوبة ؟
ارتبك وطوى الورقة ودسها برد فعل تلقائي أسفل أحد الملفات على مكتبه ثم قال بصوت مضطرب:
- عفوا يا أبي كنت أنهي أوراقا للعمل..هل تريد شيئا مني؟
* عمل؟وماذا نأخذ من عملك الا الفتات ؟ المهندس فاروق ذهب الى الشركة..المهندس فاروق عاد من الشركة ..هذا كل ما أخذناه ، ليت أمك تأتي وترى ما صنعه تدليلها لك.
- رحمها الله
* ألم تعد زوجتك المصون بعد من بيت أبيها ؟ من يغسل ويكوي ثيابي اذن؟
- سوف أتولى أنا أمرها..
خرج الأب فأغلق الباب خلفه وهو يتنهد ويهز رأسه أسفا، ثم عاد الى المظروف وأخذ يكتب العنوان..

١٠‏/٤‏/٢٠٠٨

أنا..

يوم جديد
وريقةً..وريقة ً
يسقط عمري من نتيجة الحائطْ
والورق الساقط ْ
يطفو على بحيرة الذكري
فتلتوي دوائرا
وتختفي دائرة ً فدائره ْ !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..الموت في لوحات
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة


كلمة واحدة قالها أحدهما أعادتني الى سنوات وسنوات مضت..
كنا نحن الثلاثة جالسين في مقهانا المعتاد نتابع مباراة في دوري أبطال أوربا ثم احتدم الجدل بيننا حول من يفوز بالبطولة.
قال :" إذن نتراهن كما فعلنا من قبل"
الرهان الذي يتحدث عنه كان في أمم أوربا 2000 أي منذ ثماني سنوات..عدت بالذاكرة فـﺈذا نحن نجلس معاﹰ نتابع المباريات ويشجع كل منا فريقا ويأخذنا الجدل كما نفعل اليوم - وﺇن لم يكن نفس المكان –هل مرت كل هذه السنوات حقا؟ 11عاما تجمعنا الصداقة الحميمة كل الوقت والجيرة أو زمالة الدراسة أغلب الوقت ..لا يمكنني التخيل كيف كانت ستبدو حياتي دون وجودهما فيها..ﺇذا كان الماضي هو التجارب التي عشتها فقد شاركاني ﺇياها ولو كان الأفكار والمشاعر التي يخرج بها اﻹنسان فقد ساهما في تكونها.وﺇذا كان صوراﹰ تبقى في الذاكرة لتقفز أمام العيون بين حين وﺁخر أو حتى تقبع منسية في رفوفها المكدسة فهما يقفان باسمين في جوانبها ..
أنتما بذلك عمر عشته ولا أزال..
أتذكر كلمة –أظنها للحسن البصري- ما معناها:
" يابن اّدم ﺇنما أنت أيام فـﺈذا ضاع يومك ضاع بعضك "
إن صح ذلك فأنتما-إذن-أنا..
إسلام وإسلام..
شكراﹰ.

٣‏/٤‏/٢٠٠٨

اللوحة التي تذكرتها

يوم جديد
قالت فأين الليالي قلت يا شجني
اّه على الليل لو يخلو من الشجن
وما تريدين ممن شاب مفرقه
وباع أيامه الأولى بلا ثمن
وصار اّهة مفقود على طلل
وكان صدحة غريد على فنن
شعر..طاهر أبو فاشا

متأخرا كعادتي وصلت الى ذلك المركز الثقافي لأحضر حفلا موسيقيا ، كان أحد أصدقائي قد وصف لي المكان وحدثني عن هذا الفريق الذي يعزف الموسيقا الكلاسيكية التي أحبها؛اجتزت الباب ولكن لم أجد أحدا في المدخل لأسأله عن مكان القاعة فسرت يمينا كيفما اتفق وأفضت بي الطرقة الى بهو واسع. كان خاليا الا من رجل يبدو في الخمسين أو جاوزها جالس الى مكتب ، وعلى الجدران لوحات متفرقة لمناظر طبيعية أو لوجوه أشخاص.. نظرت حولي فوجدت طرقة على اليسار سرت فيها فلم أجد الا دورات مياه..استدرت عائدا ونظرت نحو الرجل وخطر لي أن أسأله عن مكان الحفل.. كان متوسط القامة ذا لحية مشذبة يرتدي بذلة سوداء دون ربطة عنق..لا يبدو أنه موظف هنا..لحظة واحدة التقت عيوننا ثم تشاغل بالقراءة في كتاب أمامه..لا أعرف لماذا خيّل لي أنه يفعل ذلك فقط كي يتحاشى نظرتي..خرجت من البهو ولاحظت لافتة على الجدار مكتوبا عليها:
"معرض الفنان......"
لا أذكر الاسم،في هذه اللحظة وجدت شابا يدخل المكان ويجلس الى المكتب المجاور للباب فسرت نحوه وسألته ضجرا عن مكان الحفل ..
لم يخطئ صديقي..كان الحفل جيدا الى حد كبير؛ لكن صورة لم تفارق ذهني طيلة الحفل وفي طريق العودة..النظرة في عيني الرجل.