١٦‏/١٢‏/٢٠٠٨

زﹶبد

يوم جديد
شاك الى البحر اضطراب خواطري
فيجيبني برياحه الهوجاء
ثاو على صخر أصم وليت لي
قلبا كهذي الصخرة الصماء
شعر..خليل مطران
قصيدة..المساء
" هكذا أصبح الوضع جيدا "
تمتم بها لنفسه بعد أن أحكم تثبيت الكرسي في الرمال ، وعدّل من وضع المظلة بحيث أصبح وجهه في مأمن من وهج الشمس ، وجلس مسترخيا وأخذ ينظر ﺇلى البحر الواسع أمامه ..
" ها أنا أفعل ما طلبوه فهل سينفع بشيء ؟ "
لم تكن لديه رغبة في السفر ، فلماذا يقطع كل هذه المسافة ليجلس على الشاطئ وقد انتهى الصيف وليس معه أحد من أصحابه ؟ ولكنه لم يجد شيئا ﺁخر ليفعله ، فاستسلم لرغبة والده الذي ألح عليه أن يسافر ويخلو بنفسه أمام البحر..
" أتظن أن هذا الخضم الواسع لن يقدر على حمل همومك البسيطة هذه ؟ "
هكذا قال له أبوه فهل قالها عن قناعة أم أنه يغريه بأي طريق للخروج مما هو فيه وحسب؟
قال لنفسه : لن أخسر شيئا من التجربة .
***
الجو الخريفي اللطيف ، والشاطئ الخالي ﺇلا من قليلين يتناثرون هنا وهناك ، صنعا حالة من الهدوء لم يكن يفضلها عادة لكنها قد تكون الأنسب في هذه الظروف ، فقد أصابته حالة من الاكتئاب بعد حادث السيارة الذي تعرض له ، ورغم أنه لم يصب بسوء ، وخرج على قدميه سالما ، ﺇلا أن التلف الكبير الذي تعرضت له السيارة لم يترك له سبيلا سوى أن يبيعها بثمن بخس ..يعتريه الضيق كلما تذكر لحظة خروج السيارة عن سيطرته ، وﺇحساسه أنها تقفز به في الهواء ثم وهو يراها كتلة من الحديد والزجاج المهشم ..
قال له أبوه ﺇن المهم هو سلامته ، ولم يعنفه – كعادته – على تهوره وقيادته السريعة ..هكذا قال هو أيضا لنفسه ولكل من سأله عن أمر الحادث ، لكنه لم يكن في داخله مقتنعا ، ظل شيء ما يؤرقه ، وبدأ يعزف عما حوله ومن حوله ، ويتحول ﺇلى العزلة وﺇطالة التفكير ..
بقي على هذا لفترة ، ثم عاد للخروج – مضطرا – مع بداية العام الدراسي ليذهب ﺇلى الكلية ، ولم يغب عن زملائه أنه ليس كعهدهم به ، حتى انتهى الأسبوع الأول وأتت نصيحة والده التي أيدها صديقه ( عادل ) ..ابتسم وهو يتذكر كلمات (عادل) حين قال له بحماس :
" ﺇنها فرصة لترى نفسك في مرﺁة البحر "
كعادته يفلسف كل شيء ، ويقول الكلام الكبير الذي يطالعه في الكتب ، ولم يفت عليه أن يهديه واحدا من كتبه رغم علمه أنه لا يحب القراءة ..
***
لم تختلف أفكاره في جلسته أمام البحر عن الأفكار التي كانت تعاوده في عزلته الأخيرة .. لا يعتقد أن تلف السيارة وحده سبب كل هذا ، فأبوه لم يغضب ، ويمكنه أن يشتري أخرى دون عناء ، لكن هناك دائما شيئا ينغص استمتاعه بوقته ، هناك شيء ناقص يجعله يشعر بالملل والضيق لأتفه الأسباب ..ها هي الأفكار نفسها التي لا تتركه تعود لتجر بعضها بعضا ، ولا يضيف الجلوس هنا سوى مزيد من الملل .
رأى أن يكسر الملل بالاستماع ﺇلى اﻹذاعة عبر المسجل الصغير الذي يحمله ، وجد أغنية يحبها وبدأ يهتز برفق مع ﺇيقاعها السريع ، ولكنها سرعان ما انتهت وحلت محلها مقطوعة موسيقية هادئة ..
" الكل يتـﺂمر عليّ اليوم ! "
لم يكن يحب هذا النوع من الموسيقا ، بل كان دوما يندهش من هؤلاء الذين يحضرون حفلاته ، ويجلسون ثابتين في مقاعدهم لسماع هذه اﻹيقاعات الرتيبة التي لا يصاحبها غناء ..ولم يطل صبره أكثر من دقيقتين حتى تحول ﺇلى محطة أخرى ، ثم ما لبث أن قام ليوقف كل هذا ويلبي نداء الجوع ..
***
مع العودة للتفكير عاد السؤال نفسه ﺇلى عقله :
" لماذا لا أشعر بسعادة حقيقية ؟ "
مع أن من أسبابها ما يتوافر لديه ويحسده عليه كثيرون في مثل عمره .. أب ميسور الحال لا يبخل على ابنه الوحيد الذي فقد أمه طفلا – بشيء ، ولا يضايقه بشدة في المعاملة أو بأي قيود على حريته ، ودراسة لا يحبها كثيرا لكنه ليس ناقما عليها ..أبوه يحبه لا شك ، وهو أيضا يبادله الحب ، ربما لا يتبادلان الحديث طويلا فهو يقضي أغلب الوقت مع أصحابه أو في دراسته ، وأبوه أيضا منهمك في عمله الذي لا يعرف هو عنه الشيء الكثير ، لا يقضيان أوقات ممتدة معا لكن الأمور تسير طيبة ، أو كانت كذلك ..
زفر وأخرج من حقيبته الكتاب الذي أعطاه ﺇياه (عادل) ..لم يكن يجد متعة في القراءة ، فأية متعة في ﺇجهاد عينيه ورأسه في كلام منثور على أوراق ؟ جعل يقلب في صفحات الكتاب . يقول (عادل) ﺇنه كتاب صوفي ، ماله بهؤلاء الذين يدورون حول أنفسهم وينشدون كلامهم الغريب ؟
تركه وراح يتذكر آخر مرة ذهب فيها ﺇلى البحر، كانت قبل شهرين برفقة أصحابه ، وقضوا أياما يسبحون و يلهون على الشاطئ ويتنزهون في كل مكان ، لكنه لا يذكر من هذه الأيام - على قربها - ﺇلا القليل .. لا يذكر ﺇلا بعضا من الصور الباهتة المتباعدة ، بينما رائحة البحر تبقى .
" لماذا لا تنسى هذه الرائحة ؟ "
اندهش .
***
مع الغروب لم يعد هناك مفر من التأمل ، خاصة مع هذا الصفاء الذي يغلف السماء ، وحالة الهدوء المطلق التي لا يكسرها سوى دفقات الأمواج التي تقبل وتبتعد في أصوات منتظمة متناغمة . بدا له الماء أكثر نقاء ، ورائحة البحر كأنها تتسلل داخل نفسه ، لماذا يحمل هدير الأمواج هذا الصوت المميز ؟ ربما لا يكون جميلا لكنه مميز..خاص..لا يمكن أن يسمع من مصدر ﺁخر .,كأنه صوت شيء خفي لا يبصر ، شيء في باطن هذه الزرقة وتحت هذا الزبد الأبيض ، يخفيه هذا البحر الذي يخفي في أعماقه الكثير ..يعود السؤال :
" لماذا لا تكتمل سعادتي أبدا ؟ "
فكر أن الله قد يكون غير راض عنه . يصلي أحيانا لكن كثيرا ما يتكاسل ..ربما يحتاج أن يكون أكثر مواظبة على العبادة ، فلعل هذا يبعده عن الضيق والهموم . راقت له الفكرة ، تبدو أفضل من الحيرة التي يدور فيها منذ بداية الأزمة .. ربما لو اجتهد أكثر في الدراسة فسوف ينسيه انهماكه كل شيء..لم لا ؟
راح يعب من النسيم الرائق بهدوء وعمق ، ويزيد من تطلعه ﺇلى البحر ..كأنه يستنطقه..لاحت في ذهنه صورة معلقة في البيت لأمه وهي تحمله رضيعا..هل يفتقدها ؟ لا يذكر عنها الكثير فقد ماتت وهو لا يزال في طفولته المبكرة ، لكن ربما لو كانت موجودة لأخرجته من حيرته ، أو لأعطى وجودها روحا مختلفة لكل شيء..
بقي على حالته يفكر، ثم وجد ذهنه قد أرهق فتوقف واكتفى بالتمتع بالنسيم البارد المنعش . فجأة قام متحمسا ، لكنه لم يكن حماسا لصنع تغيير جذري في حياته ، بل لينظر عن قرب ﺇلى الحسناء التي مرت من أمامه في ثياب البحر..

١٩‏/١١‏/٢٠٠٨

حدث في مثل هذا اليوم !




يوم جديد
اني لأفزع كلما جاءت
خيول الليل نحوي
يحتويني الهم..يخنقني الضجر
شعر..فاروق جويدة


أقسم أن كل شيء يتكرر !
***
حتى الفيلم الذي ذهبت لأشاهده دفعا للملل كان يحكي عن التكرار ! ففكرة فيلم (زي النهاردة) تقوم على أن البطلة تواجه أحداثا تتكرر بنفس تواريخها..تتعرف على شاب ثم يصارحها بحبه في تاريخ معين ثم يموت لتتعرف على آخر في تاريخ مشابه ويصارحها بالحب في نفس تاريخ مصارحة الأول ، لتجد أن كل شيء يتكرر أمامها ..
***
الصورتان أمامك ليستا لنفس المكان كما قد تظن ، ﺇحداهما لحزب الغد والأخرى لحزب الوفد ، لابد أنك شاهدت أو قرأت عن حريق حزب الغد في السادس من نوفمبر ، حين خرجت مسيرة طويلة لموسى مصطفى موسى وأنصاره أمام الحزب ثم اشتباكات مع جميلة ﺇسماعيل وأنصارها – جبهة نور- الموجودين داخل المبنى ونيران اشتعلت وقنابل مولوتوف ألقيت في الهواء في ظل غياب للأمن ثم اتهامات متبادلة بين الطرفين ،لابد أيضا أنك عدت بالذاكرة لحريق حزب الوفد وصراع نعمان جمعة ومحمود أباظة ..حتى النظام الحاكم لا يغير طريقته في تدمير معارضيه ..الحريق باستخدام الصراعات الداخلية . لا بأس أن أذكرك أن كلا من وصيف الانتخابات الرئاسية أيمن نور وصاحب المركز الثالث نعمان جمعة ذهبا بعد الانتخابات للمصير نفسه..السجن. لا بأس أيضا أن نتذكر أن نور نفسه كان في البدء عضوا بحزب الوفد ..
***
في كل مرة أذهب ﺇلى الكلية بعد ظهور النتيجة ، لكن شاءت الظروف أن أذهب هذه المرة فأجدها لم تعلق بعد وأجلس في انتظارها مصحوبا بتوقعات أعرف أنها ستخيب كما يحدث دوما ..تأتي وأجدني حصلت على التقدير نفسه في المواد كلها بل على نفس النسبة المئوية تقريبا ..وهو بالمناسبة التقدير العام نفسه الذي حصلت عليه في العام السابق وقبل السابق !
***
أقرأ خبرا عن اختيار رئيس لمجلس الشعب ..ولدهشتي أجد الرئيس (الجديد) هو د.أحمد فتحي سرور !
***
بعد سوء النتائج يقرر مجلس ﺇدارة الزمالك تغيير الجهاز الفني المعاون واﻹبقاء على المدير الفني الأجنبي (الذي يتفق الجميع على فشله) ويتم اختيار أحمد رمزي للمهمة (للمرة الثالثة ربما في السنوات الأربع الأخيرة) ليكون أول تصريح للجهاز الجديد بعد اﻹخفاق في الفوز بأول مباراة هو الجملة المأثورة نفسها :
الدوري لا يزال في الملعب
مع أن الفريق يخسر الدوري في كل مرة !
***
في نهاية فيلم (زي النهاردة) تدرك البطلة أنه بتكرار الأحداث سوف يموت خطيبها الثاني في نفس تاريخ وفاة الأول ، لكن محاولتها لمنعه تنتهي بأن تتلقى الرصاصة بدلا منه وتموت هي..وهي ﺇشارة مخيفة للغاية !

١٢‏/١١‏/٢٠٠٨

اشارة على الطريق

يوم جديد
واﻵن أجري وراء العمر منتظرا
ما لا يجيء.. كأن العمر ما كانا !
شعر..فاروق جويدة
قصيدة وديوان..كأن العمر ما كانا

1- توقف ونظرة للوراء..
ها هو يعاود الاتصال مرة أخرى .. لن أرد ، وبعد أن تنتهي المكالمة سأغلق الهاتف نهائيا . لا فلأرد عليه حتى لا يساورهم القلق عليّ ، فلقد تركتهم فجأة ولم أخبرهم بشيء ..يسكت الهاتف . سأحدثه أنا لاحقا ، وأقول له ﺇنني عدت لأمر عاجل أو أن والدتي طلبت مني الحضور . لا سأقول له صراحة ﺇنني شعرت بالضيق وأطلب منه أن يتركني على راحتي ، وسوف يتفهم الموقف .. صحيح أنني من طلبت منهم أن نذهب سوية للمصيف وألححت عليهم بالمجيء رغم مشاغلهم لكنني لا أستطيع أن أستمر ..فالملل الذي ذهبت خصيصا من أجل التخلص منه يكاد يقتلني ..الأيام تشبه بعضها تماما منذ أن تركت العمل بالمصنع ، ولكنها كانت متشابهة أيضا وأنا أعمل به ! تعاودني الحيرة كلما فكرت في الموضوع ، فهل كان الأفضل أن أستمر بدل أن أبقى عاطلا ؟ أم أنني أصبت بترك وظيفة لا علاقة لها بما عكفت على دراسته أربع سنوات بالجامعة ثم سنتين في تحضير الماجستير ؟ لكن أين أجد عملا في مجال تخصصي العلمي وهذه الأبحاث غير متوافرة بالبلاد ولا تلقى اهتمام أحد ؟ فـﺈما أن أسافر للخارج أو أنسى كل ما تعلمته أو أنتظر معجزة تحدث للبلد بأكمله ، لكنني لا أستطيع السفر بسبب والدتي ، فلا يمكن أن أتركها وحدها أو أن آخذها معي – في هذا العمر- ﺇلى بلد مجهول أواجه ظروفا مجهولة . لا ليس هذا السبب الوحيد ، فهناك حاجز بيني وبين السفر.. أشعر أنني لو سافرت ونجحت فلن أكون أنا من نجح ، وﺇنما شخص آخر غريب عني وسأحاول حينها البحث عن نفسي فلا أجدها ، ﺇذا كنت أضل عن نفسي وأنا على الأرض التي نشأت عليها وبين الناس الذين أعرفهم ويعرفونني فهل سأجدها مع الغرباء ؟..لا أعرف تحديدا متى وصلت الى كل هذا القنوط ، فقد كنت أيام الدراسة سعيدا أو لم أكن أفكر في كل هذا ..أبدو كمن يسير بطريق وأوغل فيه ثم نسي ﺇلى أين كان ذاهبا في الأصل ، بل وأين كانت البداية ؟
اندهشت أمي لعودتي المفاجئة وتركي لأصدقائي . طمأنتها بأنني على ما يرام ولم يحدث مكروه ، فقط أصابني الملل فقررت العودة ، ولا أظنها اقتنعت لكنها قالت ضاحكة ﺇنني كنت أشعر بها ، فقد كانت تخطط لشراء أشياء كثيرة ولا تعرف كيف تذهب من دوني ..قلت :
لا مشكلة ..وقتي كله فارغ .

***
لا جدوى . يبدو أنني لن أقدر أن أنام بضع سويعات بعد الظهر ، فها هي ساعة تمر وأنا أتقلب على الفراش والنوم لا يزال بعيدا ، طوال حياتي لم أتعود على أن أنام في النهار ، ولكن ماذا أفضل من النوم يمكن أن يختصر الوقت ويريحني من اجترار أفكاري ؟
مازلت أعجب كيف لـ (صادق) أن يتركني وحيدة ويموت ؟ وهو الذي لم يكن – خلال سبعة وثلاثين عاما من زواجنا- يتخذ قرارا دون مشورتي أو يذهب ﺇلى مكان دون أن يخبرني مسبقا بوجهته ، ثم يأتي ﺇلى أهم وأخطر القرارات فيفاجئني به هكذا ! يرحل في الوقت الذي لم يعد لي فيه سواه ، حتى عيادتي أغلقتها منذ سنة بعد أن فقدت القدرة على العمل .. ما من أحد أراه اﻵن سوى وجهي المتعب في المرآة ولا أحدث سوى نفسي..نفسي أيضا لم تضن عليّ بالكلام وصارت تحيطني بشلال من الأفكار التي لا تنتهي ، وأجد كل السنوات التي عشتها كأنها لحظات من حلم خاطف ..مجرد لقطات تأتي ﺇلى ذاكرتي وتمر مسرعة دون أن أتحقق منها ..دون أن أعرف ﺇلى أين سيوصلني هذا الطريق الطويل . هذا العمر كله مع زوج مخلص ينتهي في لحظة ..نصف ساعة فقط ما بين شعوره بالألم في صدره وبين ﺇغلاق عينيه الى الأبد . كيف يمكن أن تكون حقيقية تلك الحياة الحافلة مادامت تنتهي بهذه البساطة ؟
قضيت أيامي كلها أتابع النساء الحوامل ، أشاهد الأجنة في شاشة الأشعة ، وأتابع مراحل نموهم حتى أخرجهم من أرحام أمهاتهم وأسمع صرخاتهم الأولى ، لكن رحمي أبى أن يحمل جنينا، ولم يستطع الطب الذي تعلمته وأفنيت نفسي فيه أن يساعدني ، حتى أقعدني ضعف المشيب فأغلقت عيادتي وتوقفت عن العمل . بالأمس مررت عليها ونظرت لها من بعيد .. كل شيء في الشارع والبناية طبيعي تماما ، ولا يبدو أن أحدا تأثر بـﺈغلاقها ..أو كأنها لم تكن مفتوحة من قبل ..
ﺇذن فلأنم وقتا أطول ، أو أقرأ ، أو أشاهد التلفاز وأجد العالم كله يتحرك أمامي على الشاشة ، حتى لو كنت أنا أكتفي بمشاهدته من الخارج ، وحتى لو كانت هذه الدراما التي أتابعها ليست سوى وهم يصنعه ممثلون أمام العدسات ويتقاضون عليه أموالا ..الغريب أنه حتى هذا العالم ينتهي كله بضغطة زر !

***
2- سير بغير هدى..

كانت أمي تتحدث ﺇليّ كثيرا بينما كنت أغلب الوقت شاردا ، أكتفي بين حين وآخر بأن أرد باقتضاب أو أهز رأسي ثم أعاود النظر ﺇلى الطريق أمامي . تنقلنا بين أكثر من مكان حيث اشترت نظارة أخرى خلاف نظارتها التي كسرت ، وبعض أغراض للبيت ، ولوحة زيتية من تلك اللوحات التي لا أعرف لماذا تحب اقتناءها ، وكدنا – بعد أن لم يعد بالسيارة مكان لشيء جديد – أن نعود للبيت ، لولا أن قلت لها ﺇننا تعبنا كثيرا من التسوق ولا يصح أن ترهق نفسها في الطبخ بعد ذلك ، وتوقفت بالسيارة أمام أحد المطاعم .
مرت الدقائق بطيئة ونحن في انتظار الطعام ، واصلت فيها شرودي مع دوائر الأفكار المفرغة حتى انتبهت على صوت أمي تقول :
حسام ..هل تعرف هذه المرأة ؟

***
أصبحت أخرج كثيرا ، أخترع أسبابا لأغادر البيت ، مرة لزيارة ﺇحدى صديقاتي ، أو لزيارة أخي وقضاء بعض الوقت مع أبنائه، ومرات للتسوق وشراء لوازمي ، وﺇن لم تعد كثيرة بعدما صرت أعيش بمفردي . قررت اليوم أن أسير ﺇلى مطعم قريب أتناول فيه الغداء ، مع أنني لا أحب أكل المطاعم لكنني في حاجة ﺇلى التغيير ..لم يكن الطعام ممتازا لكن لا بأس به والمكان جديد ذو ألوان مبهجة وبه رواد كثر ، كان حديثهم يصنع جلبة ويعطي المكان روحا . لم أجد بنفسي قوة على السير بعد أن خرجت فوقفت أنتظر سيارة أجرة تقلني ﺇلى البيت حتى وجدت شابا يتقدم مني ويلقي عليّ التحية ، اندهشت أنه يعرفني .

***

3-أضواء في الأفق..

كانت تشير ﺇلى امرأة مسنة تكاد تغادر المطعم .
قلت : لا أعرفها .
قالت وهي تبتسم ابتسامة واسعة وعيناها مليئتان بالدهشة :
ﺇنها د.سامية القاضي ..الطبيبة التي أشرفت على ولادتي ﺇياك.
بدا أنها تعود ﺇلى سنوات مضت . نظرت لها ذاهلا للحظة بعدها وقفت وتحركت بسرعة في اتجاه المرأة ..لكنني توقفت ..ترى ماذا عساي أن أقول لها ؟ لا أعرف..لكنها فرصة ينبغي ألا أضيعها ، حدث مدهش لا يشبه غيره ..ربما خيط بداية أيضا ! فقد كانت شاهدة على أول لحظة لي في هذه الحياة ..كانت قد خرجت في لحظات ترددي فخرجت لأجدها واقفة . شعرها الأشيب ورداؤها الهادئ الأنيق منحاني بعضا من الارتياح لها وتشجعت على الاقتراب :
-مساء الخير.
*مساء النور.
-د.سامية ..أليس كذلك ؟
قالت بدهشة : بلى .
قلت مبتسما:
-أنت لا تعرفينني لكنك أثرت كثيرا في حياتي ، فقد ولدت وجئت ﺇلى الدنيا على يديك .
تغيرت نظرتها .. بدت مستغربة أو شاردة ..قالت بعد لحظة :
*ما اسمك يا بني ؟
- حسام..حسام رأفت .
لم أدر ماذا أقول ..هممت أن أسألها عن لحظة البداية ..لكن كيف أقول هذا ؟ قلت بتلعثم :
-هل كان مجيئي متعسرا ؟ أقصد.. كيف كانت اللحظة الأولى ؟
لم تجب ..لا أظنها فهمت ..ربما أنا نفسي لا أفهم ..أضفت :
-أنا سعيد جدا برؤيتك ، وأحب أن ..أن أشكرك .
مدت يدها تصافحني وشدت على يدي وتركتها وقد أشرق وجهها بابتسامة ..ابتسامة طيبة آسرة ..تشبه ابتسامة أمي كثيرا ..
كلما تذكرت أن حديثي معها كان سببا في هذه الابتسامة العذبة ، أو رأيتها على وجه أمي..ابتهجت.

***
لم يكن وجهه مألوفا لي ..قال:
-لقد أثرت كثيرا في حياتي..فخروجي ﺇلى الدنيا جاء على يديك .
هل يمكن هذا ؟ الشاب يبدو في منتصف العشرينات ، وأنا أعمل منذ ما يقرب من أربعين عاما ..لم لا ؟ تأملته ..شاب قوي ومهذب ..لا بد أنه قادر على صنع طريقه في الحياة ، ولا بد أن أمه التي تعبت في ولادته تفخر به اﻵن ..يقول ﺇنه جاء على يديّ..يديّ اللتين أصابتهما الرعشة وتجعد جلدهما ..معقول ؟اسمه حسام .. قال لي شيئا لم أنتبه ﺇليه ثم صافحني ..كان ممتنا..ثم ودعته وتابعته عيناي يدخل ﺇلى المطعم .
كلما أفكر كم واحدا جاءت به هاتان اليدان المرتعشتان..أطمئن.

٥‏/١١‏/٢٠٠٨

الدوائر التي لا تنتهي

يوم جديد
وريقةً..وريقة ً
يسقط عمري من نتيجة الحائطْ
والورق الساقط ْ
يطفو على بحيرة الذكرى
فتلتوي دوائرا
وتختفي دائرة ً فدائره ْ !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..الموت في لوحات
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة
(اعذرني ان كنت أبدأ بمقطع شعري سبق لي أن بدأت به في تدوينة أخرى..لكنني وجدته مناسبا هنا ..خاصة أن كل شيء يتكرر !)
1
يقترب وقت الامتحانات ..شيئا فشيئا يقترب ظهري من الجدار ولا أجد مفرا من أفعل ما أصبح يمثل مأساة في حد ذاته..أن أذاكر..رغبتي في حرق هذه الكتب أو تمزيقها تتزايد لكنني أعرف أنني لن أفعل ..لا يحترق سوى أعصابي ولا يتمزق ﺇلا الأيام التي تضيع تباعا ..أكتشف للمرة الألف أن تركيبة عقلي وأسلوب الدراسة يسيران في اتجاهين متعاكسين ، وأنني أحاول الحرث في البحر ، أو أصدم رأسي بالجدار لعله يسقط..مع أن الدماء تتناثر من جبهتي في كل مرة !
***
2
ليلة الامتحان..أحاول أن أحشد هذا الكم من المعلومات في رأسي بأي طريقة حتى صباح الغد ..أكتشف أن هذا غير ممكن وأن ما حفظته منذ ساعات لم أعد أذكر منه حرفا ..أتوتر..أقول ﺇنني يجب أن أنهي الأ جزاء الأهم وليكن بعدها ما يكون ..أشعر بثقل على صدري..أقوم مبكرا لأقرأ المزيد وأصب المزيد في الكأس الممتلئة..أقول ﺇنني لو أملك ساعتين ﺇضافيتين لتحسن الأمر كثيرا ..أكتشف أخيرا أن هاتين الساعتين لا تأتيان أبدا..
***
3
أقف أمام أسئلة قرأتها في الليلة السابقة ولا أذكر شيئا عنها..ألوم نفسي .. ثم أفكر أن هذه نتيجة طبيعية وأنه لم يكم ممكنا أن أتذكر كل هذا ..أهدأ..أشعر بالتحرر مجرد أن أخرج من لجنة الامتحان..أنسى كل شيء عنه بعد ساعات..
***
4
ألعن كل شيء مع بداية الامتحانات الشفوية والعملية ..ألعن نظام الكلية الذي يجعلنا نؤدي الامتحانات التحريرية لكل المواد ثم نعاود أداء امتحاناتها الشفوية والعملية ..أذهب في الثامنة صباحا لأقف في طرقة منتظرا أن ينادى اسمي في أية لحظة..أنتظر ساعتين أو أكثر..أفقد هدوئي وأتوتر..ثم يدفع بي ﺇلى اللجنة فاقدا أي تركيز..
***
5
تسألني الممتحنة بعد أن قرأت اسمي في البطاقة:
لم أنت غاضب يا أحمد ؟
أقول بابتسامة عريضة مصطنعة :
أبدا ..أنا لست غاضبا..
أكذب..
***
6
تطول مدة الامتحانات ..تتجاوز الشهر..أشعر أن هذا الأيام لن تمر..ثم تنتهي..أتحرر من جديد ..ثم أنسى كل شيء من جديد..كأنه لم يكن ..يوم بسنة في طوله وسنة بيوم في تفاهتها كما يقال..لا يبقى في الذاكرة سوى لحظات..حين يسألني الممتحن فلا أجد جوابا ..أحول نظري بين الأرض والمنضدة وأعقد كفيّ متحاشيا النظر ﺇلى وجهه..أهم بقول شيء ثم أتراجع ثم أقول في النهاية منهيا العناء: لا أعرف .
أو حين أخرج فأكتشف أنني كنت أقول كلاما فارغا لا علاقة له بالجواب الصحيح وأن الرجل حاول أن يساعدني لكنني لم أفهم ..
***
7
أفكر أن كل هذا يجب أن ينتهي..لا أجد حلا سوى أن أواصل الانتظار..أنتظر..

٢‏/١٠‏/٢٠٠٨

كم مرة شاهدته ؟!

يوم جديد
أحفظ رأسي في الخزائن الحديديه
وعندما أبدأ رحلتي النهاريه
أحمل في مكانها مذياعا
أنشر حولي البيانات الحماسية والصداعا
وبعد أن أعود في ختام جولتي المسائيه
أحمل في مكان رأسي الحقيقيه
قنينة الخمر الزجاجيه !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..فقرات من كتاب الموت
ديوان..تعليق على ما حدث

هل سبق أن شاهدت فيلما أكثر من مرة ؟ غالبا حدث..هل سبق أن شاهدت نفس الفيلم عشرات المرات ؟ ربما حدث ..وربما كنت في المرة العاشرة أو العشرين قادرا أن تنفعل معه ؟ أن تضحك على مواقفه الظريفة أو تحزن لأحداثه المأساوية ..لكن الذي لا أستطيع أبدا أن أفهمه ..كيف لا يزال يدهشك ؟

لا جديد لديّ أقوله ، ولا جديد حدث ولا يبدو أن جديدا سيحدث ، محكمة الاستئناف تصدق على على حكم الحبس على ابراهيم عيسى وتخففه من 6 شهور الى شهرين ..وترفض العدالة معصوبة العينين –أو العمياء- الاستماع الى شهود النفي أو الى نقيب الصحفيين ، وتقر في حكمها نفس التهمة الموجهة لعيسى بأن ما نشره عن صحة الرئيس أدى الى اصابة المواطنين بالرعب وتسبب في خسارة البورصة 350 مليون دولار مع أنه لا شيء يثير الرعب مثل هذا الحكم نفسه ..ستقول فئة ما يقال كل مرة عن أنه لا تعقيب على أحكام القضاء التي هي عنوان الحقيقة ..وسترد فئة أخرى بكلام عن غياب الحرية والديمقراطية ..وسيصرخون ويبح صوتهم في حديث عن الوضع المزري الذي وصلنا اليه والخطوات الواسعة التي نخطوها في انتهاك حقوق الانسان ..
سوف يتظاهرون وتأتي بهم العدسات واقفين ومعتصمين على درج نقابة الصحفيين يطالبون بحريته ، وترد الفئة الأولى أنه تجاوز وكذب ولفق ويستحق السجن ، وأنه لا تهاون في أمن البلاد ، ولا تسامح مع الذين يبثون الرعب ، فيعود اﻵخرون يصرخون ، ويشقون الجيوب على حرية الصحافة المسلوبة ، ويثرثرون حول وعود مرت عليها سنوات ولم ينفذ شيء منها ، ويسخرون من ضعف النظام وقلة حيلته وارتجافه من حبر يخطه كاتب على ورق ، وسوف يصرخ هؤلاء ويرد أولئك ، ويبقى أصحاب التيجان صامتين ، يتابعون من فوق أبراجهم العالية ، فان استدعت الأمور حركت أصابعهم الخيوط فدخلت عرائس وخرجت أخرى ، وهم في عليائهم لا يطالهم غبار المعارك ، ثم يطوي النسيان كل شيء..لن يحدث الا ما حدث من قبل ، ولا شيء أقوله الا ما قلته من قبل ، وكل سنة ونحن طيبون ..كما كنا من قبل .

***
لمتابعة ما كتبته من قبل :
قضية ابراهيم عيسى ومحاكمة عزرائيل
قضية ابراهيم عيسى ومحاكمة عزرائيل 2

١٧‏/٩‏/٢٠٠٨

جموح

يوم جديد
مولاي وروحي في يدهﹺ

قد ضيعها ..سلمت يدهﹸ !
شعر..أحمد شوقي
قصيدة..مضناك جفاه مرقده

من شرفة منزلي رأيت سيارته قادمة ، كدأبه يقود ويترك طفله(جواد) بالخلف مربوطا بحزام الأمان خشية حركته الكثيرة ، يبدو لي المنظر كأنه يعمل سائقا لديه !..أمام بوابة رياض الأطفال المقابلة توقف ونزل ملوحا لي ، ثم أتى به وقاده من يده نحو البوابة ، لكن الطفل أفلت يده الصغيرة وعاد الى السيارة ، فعاد صديقي خلفه ، وهو يعنفه ويشير بيديه بعصبية ، ويرفع ﺇصبعه محذرا ، والصغير لا يزال على عناده متشبثا بالسيارة، ثم رأيته يجثو على ركبتيه ويهمس له بشيء وهو مبتسم ويداه تربتان على كتفيه ، ثم عاودا السير معا ، وبدا أن (جواد) رأى أحد أصحابه يمر من البوابة فاندفع نحوه بسرعة وهو يشد يد أبيه، ثم انفلت وبدأ الأب يهرول خلفه..بينما كنت أنا أتساءل:أي منهما يقود اﻵخر ؟

٧‏/٩‏/٢٠٠٨

لحظات في ظلال الأبيض

يوم جديد
فهل أستعيدك
يا وجه هذا الصفاء الذي
يتباعد عني
ويسلمني بعده
لفضاءات هم مقيم
وعبء جسيم ؟
شعر..فاروق شوشة
قصيدة..يتم
ديوان..أحبك حتى البكاء

" أمسكي يديك قليلا..اسرافك هذا لا ينفع مع الغلاء الذي نحن فيه "
مع صوت الباب الذي أغلقه من خلفه كانت تعيد جملته وهي تقلده بغضب .. كالعادة دب الشجار بينها وبين زوجها حين طالبته ببعض النقود من أجل البيت ..لا يزال يراها مبذرة تنفق في التفاهات بينما ترى هي أن تدبيرها لمصاريف البيت بهذه القروش القليلة معجزة تستحق التقدير وليس التقريع..ذهبت الى غرفتها لتغير ملابسها.. اذ كانت عائدة لتوها من عملها بالسجل المدني ، ذلك العمل الذي جاءها بعد سنوات في انتظار التعيين الحكومي وكان راتبه –على ضعفه- يعين البيت كثيرا في تكاليف المعيشة ..كان وجهها مربدا وباديا عليه الحنق..تذكرت أنها اﻵن وحدها ، فعلاء ذهب الى درس الفيزياء و(مها) تتأخر اليوم في كليتها ..تحول العبوس فجأة الى ابتسامة و بدأ عقلها يلمع بالفكرة ..
فتحت خزانة الملابس ووقفت على أطراف أصابعها لتصل ﺇلى الرف العلوي حيث ملابس الشتاء التي وضعتها به منذ دخول الصيف ..وأخرجت الفستان – وكانت تضعه قريبا تحت معطف صوفي بحيث لا تتعب كثيرا في اخراجه وفي الوقت نفسه لا يكون ظاهرا لمن يفتح الخزانة – ثم بسطته على الفراش ، وأخذتها البهجة –نفس البهجة-التي تشعر بها كلما استلقت عيناها على لونه الأبيض الناصع ..كانت قد نسيته لسنوات طويلة ..قابعا مع الملابس القديمة ..على فترات متباعدة يخرج معها لتنظيفه ثم يلقى الى سجنه من جديد ، لم يعد الى الحياة الا مع زواج ابنتها الكبرى ( مروة) ، حيث شرعت في تجهيزه لكي ترتديه في زفافها لكنها اكتشفت كم كانت واهمة حين فاجأتها (مروة) بالرفض القاطع مندهشة من أن ترتدي (شيئا بهذا القدم) ..لم تغضب لذلك ..وقبل أن تعيده لسيرته الأولى قررت-دون هدف- أن تجرب ارتداءه ..للحظات كان احساسا فريدا أن تعود الى ليلة زفافها ، ثم ضحكت من نفسها ونسيت الأمر..
" لو أن سعاد هنا !"
قالتها في نفسها وهي تخلع قميصها الرمادي الكالح وجونلتها السوداء الطويلة وتبدأ في ارتداء الفستان ..كانت سعاد صديقتها المقربة قد سافرت منذ يومين مع زوجها الى بلدته ، وهي الوحيدة التي تعرف السر وتشاركها الأمر في أغلب الأحيان..
عليها اذن أن ترتديه بنفسها وهو أمر ليس سهلا .. فالفستان الذي كان (كأنه فصّل من أجلها) كما كانت تقول والدتها وهي في الثانية والعشرين لم يعد يلائم جسدها بعد أن تخطى الخامسة والأربعين ..
"أف ! "
أطلقتها بسخط وهي تخلعه وتلقيه على الفراش بعد أن فشلت في ادخال ذراعيها في كميه الضيقين ..ووقفت تنظر اليه للحظات حتى هدأت ..ليست المرة الأولى التي ترتديه وحدها وفي كل مرة تعاني ثم تنجح في النهاية ..بهدوء وخطوات بطيئة متمهلة أدخلت رأسها ثم ذراعها اليمنى فاليسرى وشدت الفستان على جسدها ..وأطلقت زفرة ارتياح طويلة سرعان ما تبعتها ابتسامة متلهفة ..
يجب أن تجد حلا لهذا الوزن الزائد..هكذا فكرت وهي تتهيأ لبدء الاحتفال ..
أول مرت فعلتها كانت منذ عام ونصف العام.. بعد أيام من معرفتها لأول مرة أنها مصابة بمرض السكر..ورغم تأكيدات الطبيب أنه لا داعي للقلق ما دامت تأخذ العلاج بانتظام الا أن شعورا قويا تسرب اليها أن شيئا داخلها قد فقد ولم يعد يمكن استعادته ..حينها تذكرت الفستان ، وجربت الأمر كلعبة عابثة بسيطة ..بعدها بدأت الطقوس تزداد شيئا فشيئا حتى غدا لها نظام معروف ودقيق..بل مقدس..
أول شيء هو تجهيز المكان..كرسيا الصالون الضخمان في الواجهة -لا تنسى أن تخفي القطع في قماش أحدهما بمفرش أبيض صغير-ثم كراسي المدخل على شكل نصف دائرة تتوسطها المائدة الرخامية الصغيرة بعد أن تزيل من عليها كوب الشاي والجريدة ومطفأة السجائر ، وتضع في وسطها المزهرية وبها بعض من الزهور الصناعية الرخيصة ..ثم تحضر كأسا من الخزانة ذات الواجهة الزجاجية ..حيث الكئوس التي لا تخرج الا في المناسبات الخاصة وللضيوف نادري الزيارة..وتذهب الى المطبخ لتحضّر بعضا من الشربات الأحمر ..
تقف لحظة بعد أن تضع المسجل جوار المنضدة وتلقي نظرة لتتأكد أن كل شيء في مكانه..ثم تتحرك الى غرفتها..وتأخذ زينتها أمام المرآة بشيء من المساحيق على ملامحها القمحية ، وطلاء للشفاه ، وبعض من الكحل..ثم ترتدي طرحتها البيضاء على شعرها القصير الذي طال الشيب بعض خصلاته ، والقفاز الأبيض –الذي اشترته حديثا بناء على نصيحة (سعاد) - تبتعد عن المرآة قليلا وتحكم شد الفستان حول خصرها وتخلع نظارتها..ثم ترتدي حذاءها الأبيض ذا الكعب العالي -وكانت لا ترتديه تقريبا الا لهذا الأمر وتفضل الحذاء المسطح الخفيف -وتترك الغرفة..
فوق أحد الكرسيين الضخمين تجلس ..وهي تحتسي الشراب الحلو المذاق وتغني بابتهاج مع الأغنية..
"مبروك عليكم بعد شوق ومحبة
السعد جمّع شملكم يا أحبة"
عندما تكون سعاد موجودة فانها تجلس أمامها تصفق وتغني وتتناول الشراب وتشاركها في الرقص ..تتذكر حين تحتضنها سعاد وتبارك لها الزواج وتتمنى لها الرفاه والبنين ..تضحك ..ثم تقوم للرقص على أنغام الموسيقا..
"وانتي ما شا الله يا عروسة عليكي
الفرحة والله باينة جوة عينيكي"
عدم ارتداء النظارة يجعلها ترى الأشياء ضبابية بلا تفاصيل ..ويزيد الأمر مع الرقص والدوران فتشعر كأنها في حلم..
ترقص..فتعود عذراء في ليلة زفافها ..ولا يكون معنى لحسابات العمر والسنوات.
(في حين تبدو للرائي ترهلات جسدها ، والفستان يبرزها من أسفل الصدر وعند الخصر)
تدور..فتنسى أي شيء عن حساب راتبها وراتب زوجها والأقساط المستحقة والغلاء .
(لكن تتذكر أنها لم تتناول قرص الدواء فتحضره وتبتلع مرارته ببعض من الشراب )
ترقص..وعيناها تشرقان بالكثير من البهجة وثغرها يبتسم .
( ثم تمتد يدها الى أسفل ظهرها الذي يؤلمها بسبب الكعب العالي )
تدور..وتطلق زغرودة طويلة وعالية.
(سرعان ما تكتمها خوف أن تصل الى الجيران فلا تستطيع تبريرها)
*********
في جلبابها الكحلي الفضفاض وقفت على باب غرفة (علاء) وهو يبدأ تناول الشطائر التي أعدتها له ليأكلها أثناء المذاكرة ..
-ألا تريد شيئا ﺁخر ؟
*شكرا يا أمي..تصبحين على خير.
غادرته الى غرفتها وألقت بجسدها المنهك فوق الفراش ..رغم صوت غطيط زوجها ابتسمت وأحكمت عليه الغطاء ثم أغمضت عينيها وهي تفكر في أنها لابد أن تتصل بطبيب الأعشاب الذي تشاهده في التلفاز ..كي تسأله عن وصفة لانقاص الوزن..

٢٥‏/٨‏/٢٠٠٨

انطلاقة ثانية نحو المستقبل !

يوم جديد
فتلفت الساري لعل لعينه
يبدو صباح أو يلوح دليل
فبدا له نور وأشرق منزل
ألق ورفت جنة وخميل
شعر..ابراهيم ناجي
قصيدة..بقية القصة
ديوان..الطائر الجريح
العنوان مأخوذ من عبارة دعائية للحزب الوطني ..وان كنت أظنه يناسب هذا الموضوع أكثر بكثير مما يناسب الحزب الوطني !
مساء لطيف قضيته السبت الماضي في ساقية الصاوي لحضور حفل توقيع العدد الثاني من (مدونات مصرية للجيب) بعنوان (مصر في قطعة جاتوه)..فكرة مميزة أن يجتمع عدد من المدونين في كتاب واحد ..فرصة أن أتعرف أنا كمدون على مدونات أخرى ومدونين اخرين أصحاب أفكار وكتابات تستحق أن تقرأ .. والأهم أنها فرصة أن يتاح المدونون لهؤلاء الذين لا يتعاملون مع الحاسوب وأن يتعرف عليهم الجمهور العام بكافة أطيافه (في هذا المكان تمكنت لأول مرة أن أقول انني مدون دون أن يسألني من أحدثه:ماذا يعني مدون؟ وهو في حد ذاته انجاز !)..ما أسعدني أكثر أن الحضور لم يكن قليلا ولم يقتصر على الشباب وحدهم ..
ظهر الكتاب في طبعة جيدة وسعر في متناول الأيدي ..وفي نهايته كانت حالة الحوار حول قضية التعليم في مصر التي سعدت بالمشاركة فيها..
وتحياتي للجهد الكبير والرائع الذي بذله القائمون على الأمر وفي مقدمتهم أحمد البوهي وأحمد مهنى صاحبا الفكرة..

*****
للمزيد ..

٢٢‏/٨‏/٢٠٠٨

واجب تدويني !

يوم جديد
بناء على اقتراح الصديقة (صمت المكان*صخب الكلام) صاحبة مدونة (من أجل الحب) http://waitforyouallthetime.blogspot.com/
أقوم بنشر هذه الفكرة والاجابة عن السؤال:
اذكر 6 أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك أول مرة
1.أنني لست مملا جدا كما يتصور!
2.أنني لست مغرورا كما قد يتصور!
3.أنني لا أحب المجاملات.
4.أنني أحب أشياء كثيرة قد تبدو متناقضة.
5.أنني أحب الكتابة.
6.أنني ضعيف الذاكرة بشكل مخجل.

******
قوانين الواجب:
1. اذكر اسم من طلب منك حل هذا الواجب .

2. اذكر القوانين المتعلقة بهذا الواجب .
3. تحدث عن ستة أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك للمرة الأولى .
4. حول هذا الواجب إلى ستة مدونين ، وأذكر أسماءهم مع روابط مدوناتهم في موضوعك

5.اترك تعليقا في مدونة من حولت الواجب عليهم ، ليعلموا عن هذا الواجب .
*******
هؤلاء أرسلت اليهم الموضوع:

١٩‏/٨‏/٢٠٠٨

اليه..أقدم أنا أعذاري

يوم جديد
وداعا لما سوف يأتي
به الوقت بعد قليلٍ
وداعا
وداعا لما سوف تأتي
به الأمكنهﹾ
تشابه في الليل ليلي..
وفي الرمل رملي..وما عاد قلبي مشاعا
وداعا لمن سأراها بلادﴽ لنفسي

لمن سأراها ضياعا
شعر..محمود درويش
قصيدة..وداعا لما سوف يأتي
أية ذاكرة تعيسة تلك التي أملكها ؟ تذكرني بداية أغسطس بمرور عام على المدونة وأنسى أنها ذكرى وفاة الكبير عبد الوهاب مطاوع ..أيكون ذلك لأننا دائما نهتم بأنفسنا أكثر من اﻵخرين ؟ لكن من قال ان هذا الرجل كان بالنسبة لي واحدا من (اﻵخرين) ولم يشكل جزءا من نفسي ؟ أعادني الى رشدي ما كتبه خيري رمضان الذي أخذ مكان الأستاذ في بريد الجمعة..وهو يذكر قراءه بأن ذكراه تحل في هذه الأيام..
حسنا..ما عساي أقول؟ هل أتكلم عن مكانة الرجل لدى قرائه؟ هل أحكي عن قيمته وقامته؟ الكل يعرف هذا..في الحقيقة سأتحدث عن نفسي..عما فعله هذا الرجل من أجلي ..
أول ما عرفت عبد الوهاب مطاوع كان – كأغلب الناس- من بريد الجمعة في الأهرام ، في بادئ الأمر كنت أقرأ الرسائل فقط دون رده عليها ، لكن بعدها بدأت أقرأ ردوده وجذبتني لغته السلسة والجميلة دون تعقيد ، وأفكاره المرتبة والمنطقية فصرت أقرأ له بانتظام ..
وعندما بدأت أهتم بالقراءة منذ 5 سنوات اشتريت كتابا له بعنوان(صور من حياتهم) عبارة عن مجموعة قصصية ..ثم أخذني البحر الى الأعمق حتى وصلت الى 18 كتابا ولا تزال الرحلة مستمرة ..كتب الأستاذ هي ﺇما تجميع لبعض رسائل بريد الجمعة وردوده عليها أو مجموعات قصصية أو عدد من مقالاته الأدبية والانسانية المطولة – والنوع الأخير هو المفضل لي - ﺇضافة لأدب الرحلات ..
يمتلك هذا الرجل قدرة فريدة على الحكي الجذاب تجعلك تقرأ فصوله الطويلة بشغف حتى الكلمة الأخيرة ، كما أن ثقافته الواسعة في الأدب العربي والعالمي والتاريخ وعلم النفس والدين تملأ جعبته بالكثير من الحكايا التي
يقدمها بحسه الانساني الرفيع ..كنت في حاجة ﺇليه ..في حاجة الى أفكار عقلانية واعية يقولها صاحبها وهو مؤمن بها ومستند ﺇلى خبرة كبيرة بالحياة والبشر بينما كان وعيي وثقافتي في بدايات التكوين ..أذكر كتابه الرائع ( قدمت أعذاري ) يجمع فيه بعض مقالاته الدينية في مجلة الشباب التي كان يكتبها في رمضان ، وهي مقطوعات شديدة الجمال والعذوبة لا تخرج ﺇلا من ﺇنسان كالأستاذ ، هذا الكتاب الذي قرأته أكثر من مرة أثر فيّ بشدة خاصة أنني عرفته في فترة الحيرة والشكوك بين ماهية التدين الصحيح وبين المغالاة والتشدد ..
ما أقوله ﺇن عبد الوهاب مطاوع لم يكن فقط ﺇنسانا كبيرا على مستوى الأخلاق والأفكار ولكنه كاتب كبير على مستوى الحرفة واﻹمتاع الأدبي ، ومثقف كبير أيضا
طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته ، وأبقاه لي (صديقا) ومرشدا لا يبخل بعلمه.. ومثلا يحتذى حين تعز الأمثال..

٦‏/٨‏/٢٠٠٨

يوم جديد..وسنة جديدة

يوم جديد
عام مضى وبقيت غالية
لا هنت أنتِ ولا الهوى هانا
شعر..نزار قباني
قصيدة..بعد العاصفة
ديوان..الرسم بالكلمات
بالأمس يكون قد مر عام على هذه المدونة ..ربما يجدر بي أن أقوم بمراجعة لما حدث فيه.. لكنني سأكتفي فقط ببعض الانطباعات ..
قلت في التعريف بنفسي انني أكتب في المدونة من أجل التعرف على نفسي..لا أظنني عرفتها جيدا..لكن على الأقل عرفت أنني أحب الكتابة ، وقد منحتني لحظات كثيرة شعرت فيها بالوجود والانجاز وهي مشاعر أفتقدها كثيرا..
مستوى الكتابة لك الحكم عليه وان كان احساسي الخاص أنه لا بأس به كبداية قابلة للتطور..
لم أكن أعرف أنني يمكن أن أكتب قصصا قصيرة، لكنني أصبحت أكتبها بانتظام ، بل ونالت ردود فعل ايجابية ممن قرأوها هنا أو في منتديات ومواقع أخرى ، وربما تكون هذه بداية تعقبها خطوات أبعد..
الأشعار التي أحبها والتي كنت أكتبها على هوامش أوراق المذاكرة أصبحت قادرا على أن أنشرها وأزين بها كتاباتي ..
رد الفعل على المدونة ليس مشجعا بنسبة كبيرة ، ولو أن عدد زوار يقارب الألف ليس شديد السوء-في عام أول- لكن ندرة التعليقات مشكلة..أحتاج الكثير من الدعاية علها تحسن الوضع..وسأحاول العمل على هذا في الفترة القادمة ..
أخيرا يجب أن أشكر كل من زار المدونة وقرأ شيئا منها ، وأتمنى أن يكون القادم أجمل..

٤‏/٨‏/٢٠٠٨

لذة مباشرة أم بناء متكامل؟

يوم جديد
لا حربنا حرب ولا سلامنا سلام
جميع ما يمر في حياتنا
ليس سوى أفلام
زواجنا مرتجل
وحبنا مرتجل
كما يكون الحب في بداية الأفلام
وموتنا مقرر
كما يكون الموت في بداية الأفلام
شعر..نزار قباني
قصيدة..هوامش على دفتر الهزيمة

" أي جمال للأهرام غير ذلك التناسق الهندسي الخفي وتلك القوانين المستترة التي قامت عليها تلك الكتلة من الأحجار ؟ جمال عقلي داخلي ...
ان الجمال الظاهر نسبي لا يقدّره غير الانسان ، انما المنطق الداخلي للأشياء هو كل جمالها الحقيقي ، هذا الادراك للجمال الخفي فطن اليه المصريون القدماء يوم صنعوا الأهرام "
هكذا يقول توفيق الحكيم ، لكنه يفرق ما بين المصريين والعرب..
" هذا المقياس المصري القديم للجمال ما أحسبه قد أثر بعد في حياتنا الفكرية أو في أحكامنا الفنية ، أما التيار العربي القديم فهو النقد الذي قوامه الحس أي سليقة المنطق الظاهر والتناسق الخارجي ! الجمال عند العرب هو الشيء الذي يسر العين ويلذ الأذن ..أنستطيع أن نتخيل العرب تبني الأهرام أو تقدّر فيها جمالا ؟"
نحن كمصريين لسنا من جذور عربية ، لكننا بالتأكيد تأثرنا بالعرب في الكثير من الأشياء منذ الفتح الاسلامي أقربها اللغة ، ولا يختلف اثنان أن عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا المتوارثة تتشابه كثيرا مع بقية البلاد العربية..
يضيف الحكيم في موضع آخر:
" العقلية العربية لا تشعر بالوحدة الفنية في العمل الفني الكبير ، لأنها تتعجل اللذة ، يكفيها بيت شعر واحد أو حكمة واحدة أو لفظ واحد أو نغم أو زخرف لتمتلئ طربا واعجابا ، لهذا كله قصر العرب وظيفة الفن على ما نرى من الترف الدنيوي واشباع لذات الحس "
هل نحن كذلك ؟ وهل تأثير الثقافة العربية علينا كان أقوى من جذورنا الفرعونية ؟ الأهم ..هل يمكن أن يكون في هذه الفكرة تفسير للكثير مما نعانيه ، بمعنى هل تفسر أننا نهتم عادة بالمظهر على حساب الجوهر ؟ ونبني واجهة البناء ثم نتركه أجوف من الداخل ؟
اقرأ ما يقوله عبقري الموسيقا محمد عبد الوهاب في مذكراته..
"والشرقي بطبعه لذائذي فموسيقاه تخاطب اللذة فيه ، واللذة بمجرد أن تذوقها مرة أو مرتين تموت ..وأما الغربي فموسيقاه تخاطب العقل ..موسيقا منطقية..موسيقا ممنطقة ..والعقل لا تموت متعته أبدا "
هي الفكرة نفسها..هل هذا ما يجعلنا مثلا ننشئ برلمانا دون سلطة ودون رقابة ودون تمثيل حقيقي للشعب ؟ ونغير أسماء الوزارات دون أن نغير طبيعة عملها ؟ ونغير عدد سنوات الثانوية العامة مع أنه لا يوجد تعليم حقيقي أصلا ؟ وهل يفسر أن علاقاتنا تنوء بالمظهرية والتكلف والمجاملات المصطنعة ؟ هل نحن لا ندرك من الأمور الا شكلها الخارجي فقط؟
هل هذا صحيح أم أنني شطحت بخيالي ؟

*****
(*) كلمات توفيق الحكيم من كتاب (تحت شمس الفكر)
(*)كلمات محمد عبد الوهاب من مذكراته المنشورة في كتاب (رحلتي..الأوراق الخاصة جدا) اعداد وتقديم فاروق جويدة

٢٨‏/٧‏/٢٠٠٨

الجنة على عجلات (الهامر)

يوم جديد

اشتقت اليك فعلمني ألا أشتاق

علمني كيف أقص جذور هواك..

من الأعماق

علمني كيف تموت الدمعة ..

في الأحداق

علمني كيف يموت الحب

وتنتحر الأشواق

شعر..نزار قباني

قصيدة..رسالة من تحت الماء



حدث لي شيء مدهش وجميل -أصبحت الدهشة شيئا نادرا هذه الأيام- كنت أقرأ العدد الأسبوعي الأخير من (الدستور)..مررت على مقال الكاتبة رجاء ابراهيم وجذبني عنوانه الغريب (شفتي "الهامر" يا ليلى !) وأخذت أقرأ مستمتعا أول الأمر ثم مندهشا تكاد الدهشة تجعلني أقفز من مكاني..حين بدأت أراها أمامي..(سلمى) بطلة قصة (الجنة على عجلات) التي كتبتها منذ شهور..التشابه ما بين ما حكته الأستاذة رجاء عن نفسها وبين (سلمى) أثار دهشتي ..كلتاهما تعشق أغنيات عبد الحليم حافظ وتأخذها الى اّفاق الخيال الرحبة بعيدا عن الواقع المتعب..كلتاهما لها صديقة على العكس منها واقعية تماما..حتى أسلوب الكتابة المطعم بمقاطع من الأغنيات كان متشابها..في أحيان كثيرة أرى أشخاصا فأستفيد منهم في رسم شخصيات قصصي..لكنها أول مرة يحدث العكس..
يمكنك قراءة القصة عبر الرابط
http://youmgedid.blogspot.com/2008/03/blog-post_5564.html

١٣‏/٧‏/٢٠٠٨

حوار حول أزمة التعليم

يوم جديد
وما الدهر الا من رواة قصائدي
اذا قلت شعرا رجّع الدهر منشدا
شعر..المتنبي

أحمد البوهي وأحمد مهنا صاحبا كتاب مدونات مصرية للجيب اقترحا فكرة جميلة بفتح ساحة للحوار في مدونتهما (أنا وصاحبي) حول أوضاع التعليم في مصر شارك فيها كثير من المدونين وغير المدونين بالرأي والاقتراح ..
http://www.sneen.blogspot.com/
وكانت لي هذه المشاركة..
مشكلة التعليم في مصر قديمة وحالتها تسوء منذ سنوات وسنوات وقد تعايش معها المجتمع واعتاد عليها كما يفعل عادة في مشاكله لكن في ظني أن حجرا قد ألقي مؤخرا في الماء الراكد أولا بانتشار قضية تسريب الامتحانات -وهي قديمة أيضا- وثانياوالأهم بانتحار طالبين في الثانوية العامة -وهو أمر كفيل بهدم المعبد فوق رءوس الجميع -لو أن الموت لا يزال له جلال أو هذه الأرواح لا تزال تحمل شيئا من القيمة - البداية في رأيي أن تتوافر نية حقيقية للتغيير -وهو ما لا يلوح في الأفق- وأن يكون التغيير واعيا بأهدافه بمعنى أن تهدف المنظومة التي يدخل فيها التلميذ منذ طفولته وحتى نهاية دراسته أن يتعلم تعليما حقيقيا يصنع فكره وشخصيته ويؤهله لعمل يحتاجه المجتمع وليس أن يحصل على شهادة تعلق على الجدران أو يباهي بها الاّخرين

وبما أن هذا يتطلب زمنا وجهدا فربما نحتاج الى مرحلة انتقالية قد يكون الأنسب فيها أن نستنسخ حرفيا نظاما تعليميا معمولا به في أي بلد متقدم -دون تدخل من جانبنا - ورغم أن استنساخ تجارب الاّخرين المختلفين عنا قد لا يؤدي الى نجاح بنسبة مائة في المائة فهو بالتأكيد أفضل من عدم وجود تعليم من الأصل ..ريثما ننجح في نظام خاص بنا..
وتحياتي لكم على المجهود وفكرة الحوار الرائعة..

١٨‏/٦‏/٢٠٠٨

يحيا ديجول !

يوم جديد
نامت نواطير مصرٍ عن ثعالبها
حتى بشمنﹶ ولم تفن العناقيدﹸ

شعر ..أبي الطيب المتنبي
في الفيلم الفرنسي (العدو الحميم)(*) كان هناك مشهد لقوات الاحتلال الفرنسي وهي تهاجم بيوت المواطنين الجزائريين ..ولم يجد أحد المواطنين وسيلة للنجاة من الاعتتقال والتنكيل اذا ظنت القوات أنه يساعد المقاومة –الا ان يردد بصوت عال يحيطه الفزع:
"يحيا ديجول ! يحيا ديجول! "
ليثبت انه يساند الفرنسيين ولا شأن له بالمقاومة..ذكرني هذا بجملة قالها شارل ديجول في بداية حكمه لفرنسا معناها أنه مادامت الجامعة والقضاء بخير فلا خوف على فرنسا..
ترى ماذا لو طبقنا هذا الكلام على الوضع في مصر ؟
الجامعة..
لو وجهنا عدسة الكاميرا الى الجامعات المصرية أظننا نستطيع أن نلتقط الكثير من الصور المعبرة ..مثلا صورة لمدرجات قديمة ذات مقاعد متهالكة رديئة التهوية والاضاءة ..مدرجات خالية الا من نزر يسير من الطلبة بتقريب العدسة من وجوههم يتضح الامتعاض واللامبالاة أو حتى أو حتى النوم ..في المقابل حشود كبيرة جدا من الطلاب تتجمع وتتزاحم وتتقاتل لأخذ مكان في مناطق خلف الجامعة-كأنها جامعة موازية- حيث مراكز الدروس .زاو تحتشد في مكتبات التصوير للظفربـ ( أصدق التوقعات في أسئلة الامتحانات) ..لا تغفل الكاميرا هؤلاء الشبان الذين يستوقفون الطلاب ليعطوهم أوراقا دعائية حيث (30 جنيها فقط للمحاضرة الواحدة والمادة في محاضرتين) في ليلة الامتحان..وتنتقل الكاميرا بسرعة الى سلالم المباني الجامعية وقاعات الامتحان حيث الطلبة يخرجون من الامتحانات وحيث المذكرات والأوراق ملقاة على الأرض تدوسها النعال..لا بأس بنظرة على أي جريدة يومية وتركيز على خبر ترتيب الجامعات المصرية عالميا أو اضراب اساتذة الجامعات ومطالبتهم بكادر خاص..
القضاء..
لا تخفى أبدا الأحكام القضائية واجبة النفاذ التي تماطل الحكومة في تنفيذها..والبطء القاتل في اجراءات التقاضي –حتى أن حبال المحاكم الطويلة أصبحت كلمة دارجة في ثقافتنا- ثم ننتقل الى أحكام قضائية غريبة ضد معارضين – أيمن نور مثلا والمحاكمات العسكرية للمدنيين من الاخوان – وصدور أحكام بالحبس والغرامة على صحفيين مستقلين – قضية صحة الرئيس مثلا وقضية اهانة رموز الحزب الوطني- وكان القضاء يتحول عن تحقيق العدالة الى اداة بطش في يد السلطة – وهو امر في منتهى الخطورة على مستقبل أي دولة فالله يقيم الدولة العادلة حتى ولو كانت كافرة كما قال ابن عباس –ثم تهميش الاشراف القضائي على الانتخابات، وان كانت الصورة لا تخلو من مناطق مضيئة تتمثل في وقفات محترمة لعدد من المستشارين الشرفاء دفاعا عن استقلالهم وكلمات حق يقولونها دون مواربة أو خوف..
ما حالنا اذن قياسا بنظرية ديجول؟ الحال لا يخفى على احد
لكن السؤال: هل هناك من يعرف كلمات ديجول أو يؤمن بها من الذين يحكموننا؟
يحيا ديجول !

....................
(*)للمزيد عن الفيلم يمكنك العودة لتدوينة (العدو الحميم..فيلم يبحث عن جمهور)عبر الرابط http://http://youmgedid.blogspot.com/2007/12/00-0.html

٥‏/٦‏/٢٠٠٨

المقيدان ظهرا لظهر

يوم جديد
ماذا يفيد اذا قضينا العمر
أغرابا يحاصرنا مكان؟
لم لا نقول أمام كل الناس:
ضل الراهبان
لم لا نقول حبيبتي:
قد مات فينا العاشقان
شعر..فاروق جويدة
قصيدة وديوان..لا أنت أنت
ولا الزمان هوالزمان
هو..
طوال طريق العودة من المتجر الى البيت في المساء كنت أفكر في الأمر..رغبتي المشتعلة صارت تضغط عليّ ولم يعد بوسعي أن أقاوم ..متى كانت ﺁخر مرة التقيت بها في الفراش ؟ ..أسأل نفسي وأحاول التذكر فأقدّر أن ذلك كان منذ ما يقرب من خمسة شهور ، بعدها عدنا للشجار لسبب لم أعد أذكره- وأظنه كان شيئا تافها كالعادة – ثم أخيرا اتفقنا..دون كلام حدث اتفاق ضمني على الصمت..كيف لي أن أكسر حاجز الصمت وأدعوها الى اللقاء ؟ هل ﺁتي لها بهدية ؟ أدخل من الباب حاملا خاتما ذهبيا أو باقة من الورد راسما ابتسامة بلهاء على شفتي ؟ سأكون سخيفا جدا ولا أظنها ستصدقني..اذن هل أنمق بعضا من العبارات الناعمة وأعرض عليها الصلح ؟ لكننا كثيرا ما تصالحنا ثم تعود الأمور بعد أيام قليلة الى أسوأ مما كانت ..ثم ماذا لو أنني فعلت شيئا من هذا فرفضت هي وتمنعت ؟ هل أهين كرامتي وأتوسل لها ثم تريق هي ماء وجهي ؟ ولم ؟ أنا لا أريد الا حقي المشروع ولا تملك هي أصلا أن ترفض ..
***
هي..
كنت واقفة أمام الخزانة المفتوحة أرتب الثياب داخلها حين سمعت وقع خطواته وهو يدخل الغرفة ..فاجأني وهو يحيطني بذراعيه من الخلف ويقتادني الى الفراش ..للحظة نظرت له مندهشة ..اﻵن تذكر أننا زوجان ؟تجاهل نظرتي و مال عليّ وراح يفك أزرار منامتي ..بهدوء رددت يده وأغلقت ضوء المصباح الى جوار الفراش ثم خلعتها بنفسي ..حسن أنه تذكر أنني قد أحتاج له حسيا ؟ أم تراه يطفئ شهوته هو وحسب؟ لا بأس..كلانا يأخذ حقه في النهاية ..
***
هو..
لم أتصور الأمر بهذه البساطة ! لماذا اذن كنت أتردد في كل مرة وأتشاغل عن رغبتي بالاغراق في العمل ومجالسة الأصدقاء والنوم الطويل ؟ لم أكن أحتاج لهدية أو لكلام سخيف..فقط رغبت فاستجابت وبدأت فأكملت.. أحسنت باطفاء النور فهذا أكثر راحة..مع أنها كانت تحب الضوء الخافت !..
***
هي..
بدأت ذبذبات الرغبة تسري في جسدي بسرعة، وقلبي يعلو ويهبط بالخفقان ..لكن ما أن التقت عيوننا حتى هبطتﹸ كالمنحدر..لا أعرف ما شعرت به بالضبط ..كأنني أسلم نفسي لشخص لا أعرفه ولا أقدر أن أرده ..أشيح بوجهي وأترك جسدي مستلقيا ، أتعجب لاحساسي ثم أبتعد بذهني الى أي شيء ﺁخر يأخذني مما أنا فيه..في وقته تماما أتى رنين الهاتف !
***
هو..
لماذا تجري الأمور هكذا ؟ هل فاجأتني استجابتها السريعة ؟ كأنني كنت أريدها أن تمتنع وتأخذ وترد ! بعد دقائق قليلة رغبتي تذوي ويعصف بي تجهم غريب ..الأفكار تتداعى على رأسي حول العميل الذي أتى الى المتجر اليوم ، والسفر الذي سأقوم به غدا وأخي الذي يستعد للزواج وأشياء شتى يدفع بعضها بعضا ..أزيد من القوة لأذكي شعلة جسدي لكن في كل لحظة تأتي فكرة جديدة تطفئ كل شيء، فأكور قبضتي وأضرب بحنق على الفراش ..اللعنة على هذا الهاتف ! من الذي يريد أن يزيدني ازعاجا اﻵن ؟ أتجاهله ..لكن صوته العالي والمزعج يثير أعصابي فأنهض
وأحكم ثوبي عليّ وأوقد النور..
هي..
أفزعني الضوء الذي أوقده فجاة..وجدتني أنكمش وأغطي جسدي بالملاءة بأسرع ما استطعت ، لكن ما هدّأ من روعي أنه لم ينظر اليّ واتجه مباشرة الى الطاولة ليرد على الهاتف ..شيئا فشيئا تعتاد عيناي على الضوء ثم تدوران في أنحاء الغرفة دون هدى لتقفا لحظات عند ظهره وصوته الضجر يرتفع وسط هالة الصمت الشاملة، ثم تتعلق عيني بالخزانة التي تركتها مفتوحة وأبقى شاردة أفكر في لا شيء حتى أنتبه على تلاشي الصوت ..يقترب من الفراش وحين أمد يدي لأطفئ الضوء تصطدم بيده فأبعدها بسرعة ..ويظل ملمس خاتم الزواج في اصبعه على أصابعي للحظات..
***
هو..
السخيف يتصل بي في هذا الوقت ليخبرني أنه رتب البضائع ونظم الدفاتر بعد رحيلي ..يفترض بي أن أثني على جهده الخارق وأطرب لعبقريته ..لا يهم ، فلأعد لما كنت فيه .. أنظر نحوها فتتعلق عيني بالندبة فوق كتفها اليسرى ..تبدو لي قبيحة ومنفرة- مع أنها لم تثر اهتمامي من قبل – أطفئ النور - وكانت تكاد تطفئه حتى أن يدها الباردة لامست يدي - .. ترى ماذا سأفعل مع المورّدين في الغد ؟ ..مالي أفكر في كل شيء عدا اللذة التي كنت أتمناها !
***
هي..
يزداد جسده ثقلا حتى أشعر بوطئته عليّ كالجبل ، أنفاسي تتحشرج في حنجرتي الى أن تنتهي قدرتي على التحمل..فأرفع ذراعيّ – اللتين كنت أعقدهما وأوسد عليهما رأسي- لأرد صدره بساعدي ومرفقي وأتمتم :
- دقيقة واحدة ..
ينهض عني فأتنفس بعمق وسرعة ثم أقوم ملتفة بغلالة النوم لا أحوّل عيني عن الأرض حتى أغادر الغرفة ، لثانيتين أقف مترددة ثم أعرج الى الحمام ..تلسعني برودة أرضيته تحت قدميّ الحافيتين ، وأنظر في المرﺁة فأجد وجهي مجهدا يزيده خلوه من المساحيق شحوبا ..أنتبه الى ربطة شعري – التي أعتاد ان أنزعها قبل دخولي الى الفراش حتى لا يتساقط – وأرفع يدي لحلها لكن ما ألبث أن أعدل عن ذلك بضجر..ثم أعود الى الغرفة حيث لا يزال جالسا في الظلام ..
***
هو..
الوقت تأخر و يجب أن أصحو مبكرا كي أسافر قبل حلول الزحام ..ها هي تعود ..يبدو جسدها الراقد جامدا كالثلج فاقدا أية فتنة أو روح ..بأسرع وقت أنتهي من الأمر ، فأتقلب موليا ظهري اياها وأغمض عيني..لكن النوم لا يأتي الا بعد جهد..
***
هي..
يوليني ظهره فأفعل نفس الشيء وأحاول النوم، لكن اﻵلام في بطني وفخذي تمنعني فأقوم وأتناول قرصا مسكنا ..لا يزول الألم فأزدرد آخر بعد نحو نصف ساعة ..وأخيرا يتلاشى كل شيء..
***
هو..
استيقظت منهكا على صوت المنبه فاغتسلت وارتديت ثيابي على عجل ،ثم عدت الى الغرفة- بعد أن كدت أخرج- كانت لا تزال نائمة..أقترب منها ..لماذا أشعر بكل هذا الضيق ؟ أمد يدي ﻵخذ الهاتف والمفاتيح ، ثم أخرج الى المطبخ ﻵكل شيئا قبل ان أمضي..يملؤني شعور بالحسرة كأن كارثة قد حلت ولم يعد بوسعي أن أفعل شيئا ..ألعن احساسي وأغادر صافعا الباب من خلفي..حين أبصر الشمس ويدخل الهواء الطلق الى صدري أشعر ببعض التحسن..
***
هي..
حين فتحت عيني لم أره..كدت أنهض لكنني سمعته يدخل الغرفة فأغمضت عيني ثانية ولم أقم الا بعد أن سمعت صوت الباب الخارجي يغلق ، أسرف في الاغتشال اذ أشعر أن شيئا لزجا فوق جسدي..ضلوعي وفخذاي تؤلمني بشدة لكن لا أثر مرئيا عليها لأي تغيير ..أرتدي ثيابي وأقف أمام المرﺁة لأمشط شعري فأتذكر شيئا وأسرع لأرى ان كان قد تساقط الكثير من شعري على الوسادة..

٣١‏/٥‏/٢٠٠٨

بلد بتاعة شعارات صحيح!

يوم جديد
اذا خسرنا الحرب لا غرابه
لاننا ندخلها
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لاننا ندخلها
بمنطق الطبلة والربابه
شعر..نزار قباني
قصيدة..هوامش على دفتر النكسة
ورث النظام الحاكم في مصر فيما ورثه عن ثورة يوليو ، أسلوب الحكم بالشعارات الكبيرة والكلمات الرنانة ، تلك التي تتكرر وتتكرر من قبل رجال النظام واعلامه ويصورونها على أنها منهج الحكم واساس ادارة الدولة ؛ مع انها في الواقع ليس لها وجود فعلي بل احيانا لم يكن لها أي معنى من الاصل..فقد شاعت منذ بداية الثورة مجموعة من العبارات على شاكلة:
العهد البائد..وهو اشارة الى مصر ما قبل الثورة التي يجب ان تمحى تماما -من وجهة نظر الثوار - لتبدأ دولة جديدة- من الصفر طبعا-لاحظ ان فكرة العهد البائد والبداية من الصفر لا تزال متاصلة حتى الان!
تحالف قوى الشعب العاملة..ولم يقل احد كيف تتحالف هذه القوى وما جدوى هذا التحالف؟
ناهيك عن العبارات التي كانت تلهب مشاعر الجماهير من نوعية سوف نلقي باسرائيل في البحر..وان الوطن العربي الكبير سوف يقف في وجه قوى الاستعمار الغربية وسوف يستعيد امجاده العظيمة!
اما الاّن فنحن نعيش وسط حفنة جديدة من الشعارات مثل :
مصر لا يحكمها الا سلطان القانون ..رغم ان الكثير من احكام القضاء المصري لا تنفذ ورغم ان مصر بها محاكم عسكرية يدخلها مدنيون واحكامها غير قابلة للنقض!!
لقد قطعنا شوطا كبيرا في ممارسة الديمقراطية..وهي جملة ليس لها اي معنى الا ان يكون هذا الشوط قد قطعت راسه !!
نحن ننحاز لمحدودي الدخل..ربما لهذا السبب يزداد عدد محدودي الدخل حتى تنحاز الدولة لنسبة اكبر من الشعب !!
ثم دعاية الحزب الحاكم التي تعتمد على الفكر الجديد والانطلاقة الثانية نحو المستقبل ..لكن السؤال الذي لم أصل الى اجابته حتى الاّن متى كانت الانطلاقة الاولى؟!

٢٤‏/٥‏/٢٠٠٨

وجه خاطف في الزحام

يوم جديد
لمﹶلمﹾ تعلمني السباحةﹶ
في البحارﹾ
لمﹶ لمﹾ تعلمني الحياةﹶ
بغير شمس أو نهارﹾ
والصبرﹸ..ياللصبر
حلم زائفﹼ
وهم يعذبنا
ومأوى..كالدمارﹾ

شعر..فاروق جويدة
قصيدة..السفر في الليالي المظلمة
ديوان..للأشواق عودة
أخرجني من شرودي بسؤاله :
*أليس هذا الأستاذ حلمى ؟
نظرت من شرفة السيارة حيث أشار نحو الرصيف عن اليمين ثم نظرت في المرﺁة غير أنني لم أره ..
*لن تراه اﻵن فقد تجاوزناه ..سأصف السيارة لأنزل اليه .
- من هو الأستاذ حلمي هذا ؟
*الأستاذ حلمي مدرس الرسم الذي كنت أتعلم لديه في المركز الثقافي بالدقي ..حين كنا في المرحلة الثانوية ..لقد جئت معي ذات مرة ألا تذكره ؟
- تريدني أن أتذكر رجلا رأيته مرة منذ عشر سنوات !
*احدى عشرة سنة .
- هذا أدعى لكي أتذكره ! المهم ..ماذا تريد منه اﻵن ؟
*سأسلّم عليه وحسب ..أفتقده كثيرا .
كي نجد مكانا شاغرا لترك السيارة تحركنا بها مسافة أدركت طولها حين عدناها سيرا على الأقدام ، ولما وصلنا الى المكان سألته:
- هل رأيته هنا ؟
*نعم ..لا أعرف أين ذهب !
قلت واجما :
- ربما استقل مواصلة أو ذهب الى أي مكان..
ثم أضفت بعد لحظة كان فيها صامتا :
-ربما من رأيته لم يكن هو من الأصل وكان أحدا يشبهه .
*لا ، أنا واثق أنه هو الأستاذ حلمي ..ربما دخل أحد المحال ..
قلت بضيق :
-لكننا بهذا سنتأخر على العمل ..
*لا تقلق ..هي دقائق معدودة .
أثار انتباهي حماسه وطريقته الطفولية في التشبث ، منذ فترة طويلة –ربما سنوات- لم أره بهذا الحماس لشيء ما ..اعتدت على (طارق ) ضجرا من كل شيء وميالا للصمت والشرود . أمام واجهات المحال وقفنا، وبدأ هو يتطلع داخلها من خلال الزجاج بحثا عن الرجل حتى جذبته من أمام أحدها وأنا أضحك :
-لا يمكن أن يكون هنا
*لماذا ؟
-لأنه متجر لملابس النساء !
كان هناك مقهى جال طارق بعينيه في الجالسين على مقاعده المواجهة للشارع ثم دخل وهو يقول :
- قد يكون في الداخل .
ثم عاد بعد دقيقة وهو ينظر اليّ بخيبة أمل وينظر اليه النادل باستياء ..أخيرا أقر بالواقع وراح أثناء عودتنا للسيارة يحدثني عن الرجل ويقول انه اقتنع بموهبته وذهب معه ليقنع والده الذي لم يكن متحمسا للأمر خشية أن يؤثر على دراسته ..
*عندما كنت أمسك بالفرشاة وأشرع في الرسم..لا أقول انني كنت دائما أشعر بالسعادة فكثيرا ما ضقت بلون أسأت اختياره أو فكرة لم تخرج بالصورة التي كنت أتخيلها ..لكن..لا أعرف كيف أصف لك ..لم يكن الوقت ثقيلا بهذا الشكل ولا كانت الهموم تحاصر يومي دون سبب..
كنت أسمعه باهتمام الى أن قطع حديثه فجأة وقال وهو يشير الى الجهة الأخرى من الطريق :
*ها هو !
في لمح البصر كان قد عبر الشارع الى الجزيرة الوسطى ثم عطله الزحام قليلا حتى عبر الى الجانب اﻵخر وأنا من خلفه أهرول حتى أمسكت بكتفه :
- أين هو ؟
*أظنه دخل الى السوق من هناك ..
قالها وهو يكمل سيره – أو ركضه – فصحت :
- واذن ؟ تريدنا أن نفتش السوق كلها بحثا عن هذا الرجل ؟
لم يرد عليّ فأضفت :
-الساعة جاوزت التاسعة ..ماذا يجبرنا على سماع كلمات سخيفة لا داعي لها من رئيس القسم ونحن بعد في أول اليوم ..يجب أن نذهب اﻵن .
*لن أذهب الى أي مكان قبل أن أجده ..قل لي أنت ماذا سيحدث لو غبت عن العمل اليوم ؟ سأغيب عن ختم الأوراق والتأكد من التمغات ؟ سيغيب توقيعي الكريم عن دفتر الحضور والانصراف ؟ سيخصم يوم من راتبي ؟ الراتب أصلا لا يكفيني عشرة أيام ماذا يضير لو نقص منه شيء ؟
نظرت له صامتا ثم قلت بعد زفرة طويلة :
-وماذا سيحدث ان وجدت هذا الرجل ؟
*لا أعرف لكنني بحاجة اليه .
ثم أكمل بعد لحظة :
*صدقني لن يشعر أحد بغيابي كما لا يشعرون بوجودي ..اذهب أنت ان شئت ..هاك مفاتيح السيارة.
قلت وأنا أرد يده :
-ماذا كان يرتدي الأستاذ حلمي هذا ؟
***
كما توقعت ..كان البحث عن رجل بسترة رمادية و(بنطال أسود على الأغلب) كما قال (طارق ) وسط الناس الذين يروحون ويجيئون في السوق كالنمل – فكرة ساذجة وفاشلة ..قال وعلى وجهه أمارات الخيبة :
*لا أعرف أين ذهب !
-هل رأيت ملامحه بوضوح ؟ أقصد أن المسافة كانت بعيدة وربما ..
قاطعني :
*قلت لك أنا واثق من هويته ..أشعر أنه قريب ..هذا الرجل لم يكن فقط يعلمني الفن بل كان لي أبا وصديقا ..كنت أزوره في المركز من حين ﻵخر خاصة حين أكون مهموما .. لكن منذ 4 سنوات عرفت أنه ترك المركز وعاد الى الاسماعيلية حيث كان يسكن من قبل ..
- لا بأس ..
قلتها ثم سرنا قليلا دون هدف حتى قال (طارق):
*قد يكون في هذه المكتبة ..هو مولع بالقراءة.
دفعنا الباب وبادر هو الشاب الجالس خلف مكتب بالسؤال :
*لو سمحت ..هل أتى اليك رجل يرتدي سترة رمادية وبنطالا ..أسود ؟
فظهر على الشاب بعض التعجب ثم أجاب بعد أن أطرق قليلا :
- يجوز ..لا أنتبه عادة لما يرتدي الزبائن .
* هو رجل في أواخر الأربعينات .. متوسط الطول ويميل الى البدانة ويرتدي نظارة طبية ذات سلسلة ..
-تقصد الأستاذ حلمي سعيد ؟
*نعم ..هل تعرفه ؟
- الأستاذ حلمي زبون قديم يأتي الينا كلما جاء الى القاهرة وقد كان هنا وغادر منذ نحو ربع ساعة .
*أنا أعرفه منذ زمن وأبحث عنه منذ عاد الى الاسماعيلية ..هل تعرف أين ذهب ؟
-في الحقيقة ..لا أعرف.
*اذن هل تعرف رقم هاتفه ؟
هز الشاب رأسه نفيا فسألته :
-ولا عنوانه بالاسماعيلية ؟
- للأسف لا .. لكنه قال انه سيذهب الليلة الى أحد المعارض الفنية .
شكرته وانصرفنا وسألت صديقي ونحن نتجاوز المكان :
-هل تعرف أي معارض تقام هذه الأيام ؟
رد وهو يهز رأسه أسفا :
*لم أعد أتابع المعارض الفنية منذ فترة بعيدة .
قلت – وقد أصبحت متحمسا لا أدري أكان ذلك مشاركة لصديقي المقرب أم رغبة داخلي في التعرف على الأستاذ حلمي لكن شعرت أن حال طارق قد يختلف كليا ان وجدناه - :
-لكنه ليس صعبا علينا أن نعرف ..وعموما فقد عرفنا المكتبة التي يتردد عليها وسوف تهدينا اليه ..

٩‏/٥‏/٢٠٠٨

حافلة

يوم جديد
تسائلني : من أنت؟ وهي عليمة
وهل بفتى مثلي على حاله نكر ؟
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى
قتيلك قالت أيهم فهم كثر
شعر..أبي فراس الحمداني

عندما وصلت الى الموقف كانت التذاكر قد نفدت ، ورغم أنني وصلت قبل الموعد بما يزيد على ربع ساعة الا أن ذلك لم يفلح مع الزحام الشديد للمسافرين الى المدينة القريبة ، لعنت سوء حظي ولم أجد مفرﴽ من الركوب واقفا ؛ لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك فبين حين وآخر كانت الحافلة تتوقف في الطريق لتأخذ عددا من الركاب وتأتي الموجة الجديدة لأندفع على إثرها مع بقية الوقوف الى الخلف أو الى الأمام حتى استقر بي الحال بعد احدى الموجات واقفا – أو شبه واقف - في وسط الحافلة أجد بالكاد مكانا لقدميّ وبينما كنت أكتم زفراتي الحانقة والمتعبة وصلت الىّ من خلفي كلمات بصوت أنثوي رفيع ومرتفع بعض الشيء لفتاة قدّرت أنها في العشرين أو تقاربها تقول:
- كان مهندسا مدنيا .
ردت عليها أخرى بصوت هادئ :
* هل هو من أقاربكم ؟
- لا . هو من أصدقاء زوج (سلوى) ابنة خالتي ، رﺁني في زفافهما وأعجب بي وتحدث مع أبي بشأن الزواج .
* وبعد ؟
- لا شيء ..رفضت ، لا أريد أن أتزوج اﻵن ..أكمل دراستي أولا .
* لكنك كنت قد حدثتني مرة عن ضابط شرطة تقدم لطلب يدك ..
- نعم ..كان رائدا ..كان اسمه (مجدي عزت)
(ثم ندّ عنها صوت كأنه ضحكة مكتومة قبل أن تكمل)
ساق الى والدتى كل معارفنا كي أوافق عليه وحاولت هي وأبي كثيرا جدا أن يقنعاني بالموافقة..
* ولماذا أصررت على الرفض؟ هل كرهت منه شيئا ؟
- في الحقيقة كان حسن المظهر ووسيما وتبدو عليه النعمة وطيب الأصل ..لكنني كما قلت لك لا أتعجل الأمر ..ثم انني أستحق من هو أفضل .
***
أردت أن أستدير لأرى هذه الجميلة التي يطاردها الخطّاب لكن الحاجز المنيع من الركاب لم يمكننى من الرؤية فحاولت أن أتحرك للخلف قليلا فنظر لى الرجل الواقف الى جانبي باستياء- ويبدو أنني دست على قدمه- وقال :
الى أين تريد أن تذهب ؟
قلت بحرج :لا شيء
ثم أتى مدّ ﺁخر دفعني الى الأمام قليلا فغابت عني بقية الحديث ، ووقفت في ضجر لدقيقة حتى سمعت رنين هاتف محمول وبدأ أحد الركاب يتحدث:
- الحمد لله ..كيف الحال .. هل استيقظ من النوم ؟ ..وتناول طعامه أم لا ؟ .. ذهبت الى المدير وطلبت القرض ووعد أنه سيبذل ما بوسعه لكن الاجراءات تأخذ وقتا ..نعم قدمت له طلب الاجازة وأعطيتهم شهادة المستشفى .. قال لي ناظر المدرسة ان بوسعه أداء الامتحانات في المستشفى ولكن لا أظنه يكون قد تعافى من العملية ..صحيح يقوم سالما وليكن ما يكون ..أعطني اياه
( ثم أكمل بصوت أكثر رقة )
كيف حالك يا حبيبي اليوم ؟..أنا في الطريق اليك وسأحضر لك القطار الذي طلبته ..كن هادئا ولا تغضب أمك ..مع السلامة .
***
بدأ الأمر يستهويني وجعلني أتشاغل عن ألم الوقوف الطويل وملل الانتظار ، وبعد موجة جديدة وجدت نفسي في انتظار حوار جديد ولم يطل انتظاري كثيرا..
- صاحبك يغلي اﻵن .
قالها صوت غليظ لرجل يبدو في الثلاثينيات وأجابه صوت عميق لرجل آخر :
* عماد ؟ ماذا حدث له ؟
- طلبه المدير وخرج من غرفته شاحب الوجه كالأموات ..يبدو أنه أسمعه ما لم يسمع في حياته.
* ولماذا ؟
- المدير ثائر منذ أن سحبت شركة الملابس تعاقدها مع مصنعنا بعد أن تأخرنا في توريد طلبيتها .
* لكن التأخير لم يكن بسببه ، بل بسبب اﻹضراب الذي قام به العمال .
- أليس رئيس القسم ؟ هو اذن المسئول عن عماله .
ثم أضاف :
- لو أن هناك عدلا لكنت أنا رئيس القسم منذ زمن ..لكنك لم تسأل من الذي حرض العمال على الاضراب ..
( ثم سمعت صوت ضحك عال )
***
عندما وصلنا كان همي وأنا أغادر الحافلة أن أتفرس في ركابها لأتعرف هؤلاء الذين سمعت حكاياتهم ، بدأت أبحث أولا عن ذلك الرجل الناقم على زميله في العمل وعن رفيقه ، هل هو ذلك الأسمر البدين الذي يرتدي قميصا أبيض وسروالا أزرق ؟ أم هو ذو اللحية الصغيرة والشارب ونظارة الشمس ؟ هل هو واحد من هذين ؟
الأشقر الذي يحمل بيده حقيبة أم ذو الوجه القمحي المستدير والنظارة الطبية ؟ ما بالهم لا يتكلمون فلا أقدر أن أتعرف عليه من صوته ! فلأبحث اذن عن الرجل ذي الابن المريض ..واتتني رغبة في أن أصافحه وأتمنى لولده السلامة ..أيكون ذلك النحيل بالبذلة السوداء ؟ يبدو على وجهه الهم .. أم أنه الملتحي ذو السترة الداكنة والقميص الرمادي؟ لا تخلو ملامحه من الهم أيضا .. ما هذه الحيرة! فجأة لاحت لي فكرة وجدتها أفضل من كل ذلك ..أن أبحث عن الفتاة الجميلة ، درت بعيني بين الركاب الذين نزلوا من الحافلة وأشحت بوجهي عن المرأة العجوز التي تحمل حقيبة سوداء ، وجدت جماعة من أربع فتيات يحملن كتبا وأوراقا عرفت منها أنهن جامعيات ..هل تكون احداهن ؟ هل هي ذات الحجاب الرمادي والرداء الأسود الطويل ؟ أم البدينة ذات السروال الأسود والسترة الزرقاء ؟ ثمة فتاتان أخريان تتأبط كل منهما ذراع الأخرى ..عندما رأيتهن جميعا زادت خيبة أملي ..اذ لم تكن أي منهن جميلة ..

٣‏/٥‏/٢٠٠٨

الفيس بوك فيه سم قاتل !

يوم جديد
أبانا الذي في المباحث
نحن رعاياك
باق لك الجبروت
وباق لنا السكوت
وباق لمن تحرس الرهبوت
تفردت وحدك باليسر
ان اليمين لفي الخسر
أما اليسار لفي العسر
الاالذين يماشون
الا الذين يعيشون يحشون
بالصحف المشتراة العيون فيعشون
الا الذين يشون
والا الذين يوشّون
ياقات قمصانهم برباط السكوت!
شعر..أمل دنقل
ديوان..العهد الاّتى
قال لي مرة أحد معارفي – وهو من المعارضين للحكومة وناصري التيار الديني - :
" ان صحف الحكومة هي ما يجب أن تسمى بالصحف الصفراء " وقلت انه يبالغ – وكان الكلام قبل تغيير القيادات الصحفية أي لم يكن أسامة سرايا وممتاز القط ومحمد على ابراهيم بعد رؤساء للتحرير – لكنني تذكرت ما قاله مع مشاعر الاحتقار الى حد الاشمئزاز التي أصابتني وأنا أقرأ التحقيق الذي نشرته أهرام الجمعة تحت عنوان :
(عندما يتحول "الفيس بوك" الى تشويه للوطن ..مصر التي لا يعرفونها)
في مقدمة التحقيق كتب الصحفي عاطف حزين أن الشباب الذين نظموا الاضراب في 6 أبريل ودعوا لاضراب 4 مايو وسماهم (شراذم الفيس بوك) – يطلقون ألسنة الأفاعي السامة لتلطخ مصر باللون الأسود القاتم حتى أحالوا الوطن الى خرابة تنعق فيها البوم والغربان – كأن كل مايحدث في مصر لم يلطخها بعد بالسواد- بعدها يسلمنا الى رأي د. رفعت السعيد الذي يصفه بأنه واحد من العلماء المعروفين بمواقفهم الحادة من الدولة – لا أدعي معرفة وافية بالرجل لكنني أعرف أنه رئيس حزب التجمع المعارض الذي لا يعارض أحدا ولا يفعل شيئا وأنه ضيف دائم في (البيت بيتك) وبرامج التلفاز الرسمي يهاجم الاخوان قبل الأكل وبعده ولا يتحدث عن النظام الحاكم ، وأن الرئيس عيّنه في مجلس الشورى- يقول د. رفعت السعيد تحت عنوان : "صدقوني..دول شوية عيال لاسعة " ان الاطار الصحيح للمسألة أن قوى غير منظمة وغير منطقية تصنع أي شيء (يطق في دماغها ) على حد تعبيره ولا يمكن لأحد أن يتجاوب معها ، ثم يؤكد أن الحل هو التعامل العقلاني معهم بحيث يطرح في المقابل الرأي المتمتع بالعقلانية والوعي السياسي – مثل رأيه بالطبع- وهذا يقع على كاهل الاعلام والصحف القومية – وهي تؤدي واجبها على الوجه الأمثل - ..
بعدها يستطلع المحرر رأي الشيخ يوسف البدري – الرجل المشهور بدعاواه القضائية على المثقفين وآخرها على الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي – يقول الشيخ:
"هذا يسمى في الاسلام الخروج السلمي على الحاكم ومن ثم لا يقره الشرع بل يقف ضده فلنفرض أن مريضا يحتاج الى جراحة هل نتركه يموت " لا أعرف كيف أعلق على هذا الكلام الساذج والسخيف ، ثم يضيف أن توبة اسراء عبد الفتاح عودة الى الحق والدين الصحيح لأن ذلك يبعد عنها الفتنة ويحفظ عرضها وشرفها – فصحيح الدين في نظره أن تصمت أما أن تحتج وتطالب بحقك في حياة آدمية ممن يحكمونك فهذا ليس من الدين في شيء –..
يورد المحرر- مشكورا- حوارا مع عبير سليمان التي سماها نجمة نجوم الفيس بوك ليضفي كلامها شيئا من المنطق على التحقيق البائس ثم يورد نصا كتبه هشام الطوخي –أحد الناشطين- يهنئ فيه يهود العرب بعيد الفصح مذكرا بما فعله يهود مصر من منجزات في النصف الأول من القرن العشرين – ويعلق عليه المحرر قائلا :" بدلا من أن ينشغل بحال مصر بعث ببرقية تهنئة الى الاسرائيليين بمناسبة عيد الفصح ، في الوقت الذي يقتلون فيه ويذبحون نساء وأطفال فلسطين " في نفس اليوم نشرت (المصري اليوم) خبرا في صدر صفحتها الأولى عن بدء تدفق الغاز المصري الى اسرائيل –التي تقتل النساء والأطفال- !
يقول نجيب محفوظ في كتاب (أصداء السيرة الذاتية)
" قال الشيخ عبد ربه التائه: استدعاني المأمور يوما وقال لي :
- كلماتك تدفع الناس الى التمرد فحذار.
فقلت له : أسفى على من يطالبه واجبه بالدفاع عن اللصوص ومطاردة الشرفاء" ..

٢٦‏/٤‏/٢٠٠٨

عضوية شرفية ومشرّفة!

يوم جديد
غمست سنك في السواد يا قلم
علشان ما تكتب شعر يقطر ألم
مالك جرالك ايه يا مجنون وليه؟
رسمت وردة وبيت وقلب وعلم!
عجبي!
من رباعيات ..صلاح جاهين

" هل أخذت بطاقة ؟"
أوقفني سؤال العم إبراهيم وأنا أكاد أجتاز الباب لاهثا من طول المسافة وحرارة الجو – وكان قد أتحفني بأسئلته المكرورة وأنا أصعد الدرج عما إذا كنت قد أتممت دفع المبلغ المستحق عن نصفي العام الدراسي وهي أسئلة يعيدها على كل طالب يدخل الى الدرس بطريقة ﺁلية حتى أنني أظنه يرددها في أحلامه أو حين يفيق من نومه - فعدت خطوتين للخلف وسألته :
- لم آخذ بطاقة ..أين هي ؟
كان اليوم دور مجموعتي في التدريب العملي على الحالات حيث يقسم مدرس الأمراض الباطنة الطلاب لعشر مجموعات لكل منها يوم محدد للتدريب على فحص الحالات المرضية التي يأتي بها الى مكان الدرس..
اقتادني الى غرفة عن يمين الممر وناولني علبة خشبية بها مجموعات من البطاقات رُبطت كل منها برباط كأوراق النقود ، وبدأت أحل رباط كل مجموعة وأبحث – وهو أيضا- عن اسمي في احداها ..
- محمد..مجدي..مادونا..مصطفى..مروة..هذه كلها بحرف الميم ..أعدت ربطها وأخذت أخرى
سامي..سماح..سامي..سالي..شيماء..وهذه بالسين والشين فلأبحث عن حرف الألف اذن
ﺁية..أسماء..أحمد عبد الله..أحمد عبد العزيز..ايهاب..
- اسمي ليس هنا
قلتها بضجر فأتى بدفاتر وقال:
- ابحث عنه في كشوف الأسماء اذن
وبدأنا رحلة مضنية للبحث في كشوف طويلة كأنها سجلات مواليد لاحدى القرى وانضم لنا أحد العاملين بالمكان والعم ابراهيم لا يفتأ يسألني كل دقيقة:
- قلت لي ما اسمك؟
فأعيده عليه حتى كرهت الرجل وكرهت اسمي ووسط هذا العناء وجدتني أصيح فجأة كما صاح أرشميدس:
- وجدته! ها هو اسمي!
فنظر اليه والى المبلغ المدفوع المدون بجانبه ثم قال:
- متى دفعت النقود؟
- منذ شهر ونصف الشهر تقريبا
- حسنا ربما لم تعد بطاقتك بعد..سوف تأخذها في المرة القادمة .
البطاقات التي كنت أفتش عن بطاقتي بينها كان مكتوبا عليها :
(جمعية السيدات المؤمنات)
وهو المكان الذي أحضر فيه الدرس – وأذهب اليه منذ ما يربو على خمسة شهور دون أن أرى أيا من هؤلاء السيدات المؤمنات- بعد أيام سيتحقق الحلم الذي لم أحلم به وسيحدث ما لم يخطر لي يوما على بال..سأحمل بطاقة عضوية بجمعية السيدات المؤمنات ..اللهم قوّ ايماننا جميعا !

٢١‏/٤‏/٢٠٠٨

شمس المسجد

يوم جديد
يومئ يستنشدني
أنشده عن سيفه الشجاع
وسيفه في غمده يأكله الصدأ !
وعندما يسقط جفناه الثقيلان ..
وينكفئ
أسير مثقل الخطى في ردهات القصر
أبصر أهل مصر
ينتظرونه..
ليرفعوا اليه المظلمات والرقاع!
شعر..أمل دنقل
قصيدة..من مذكرات المتنبي
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

طالما اعتبرت نفسي من المحظوظين منذ أن انتقلت للسكنى في بيت مواجه لذلك المسجد العريق ، فمن يومها وأنا أشعر أنني أعيش في رحابه التي تشع أمناﹰ وسلاماﹰ .. كلما دخلته وشاهدت زخارفه واستنشقت عبقه أحسست أنني أسافر في رحلة عبر الزمن مستعيدا تاريخه الطويل الذي يعود لفترة الفتح اﻹسلامي ، وكثيرا ما شعرت أن أشعة الشمس التي تمر من فتحات شرفاته لها لون ودفء لا أراه في أي مكان ﺁخر..عاودتني نفس المشاعر وأنا أدخل المسجد لصلاة الجمعة ، أديت ركعتي التحية واتخذت مجلسي مستندﴽ إلى أحد الأعمدة منتظرﴽ صعود الشيخ (عبد الحكم) ﻔﺈذا بي أرى رجلا ﺁخر لا أعرفه يأخذ مكانه على المنبر ..ملت على الجالس الى جواري وكنت أعرفه ﺇذ كان يملك متجرا في نفس الحي وسألته فقال ﺇنه لا يعرف الرجل وﺇن كان قد رﺁه مرة مع الشيخ (عبد الحكم) يحمل عنه حاجياته ، فخمّنت أن المرض قد اشتد على الشيخ – وكان قد بدا عليه في اﻵونة الأخيرة – وأن هذا الرجل ذا البشرة القمحية والملامح الصارمة سوف ينوب عنه في أداء خطبة هذه الجمعة ..
بدأ الرجل خطبته بالصلاة والسلام على النبي والديباجات المعتادة ثم أخذ يتحدث في أمور شتى لم أر بينها رابطا.. تارة عن طاعة أولي الأمر وتارة عن الهجرة وتارة عن العبادات، ولا يقول في كل موضوع إلا كلمات تافهة يعرفها أجهل الناس بل ويقول نقيضها بعد حين، وزاد الطين بلة ركاكة أسلوبه وأخطاؤه اللغوية الساذجة وﺇن كان يملك صوتا جهوريا وحماسا واضحا لما يقول ، لكن ما أثار دهشتي هم هؤلاء الرجال في الصفوف الأولى فلم يكونوا من مرتادي المسجد أو أهل المنطقة وكان الواحد منهم يرفع صوته سعيدا وطروبا بما يقوله الشيخ الجديد كأنه جوامع الكلم ..
"ما شاء الله ..زدنا من علمك يا مولانا..علّمنا مما علّمك الله"
أخيرﴽ أقيمت الصلاة فانتظمت في أحد الصفوف في وسط المسجد وبدأ الرجل في التلاوة فقرأ الفاتحة ثم ﺁيات من سورة النور ﻔﺈذا به يخطئ في القراءة فانتظرت أن يردّه الواقفون في الصف الأول فلم يفعل أحد فبدأت أجهر باﻵيات لكنه أكمل على خطئه فرفعت صوتي لأقصى ما استطعت فلم يفد شيئا وركع اﻹمام فركعت ثم سجد وقام للركعة الثانية وبعد الفاتحة بدأ يقرأ واحدة من قصار السور فقلت في نفسي إنه أدرك الخطأ وﺁثر السلامة لكنه أخطأ فيها أيضا وحدث ما حدث في الركعة الأولى ، وأردت بعد انتهاء الصلاة أن أذهب اليه وأناقشه فيما حدث ، فوجدت رجال الصفوف الأولى يحيطون به كالسياج ويتحدثون اليه بود وإكبار وتصلني منهم كلمات :
" لا تتركنا يا مولانا ..لا تبخل علينا بعلمك .."
فقدّرت أنني لن أتمكن من الوصول اليه وبدأت أتحدث مع مرتادي المسجد ونحن في طريق الخروج عن الرجل فقال أحدهم إنه يبدو من كبار العلماء ومتعمقا في ما يقول وان كان هو لم يفهم مما قاله الشيء الكثير ، بينما اكتفى ﺁخرون بالصمت وبدا عليهم عدم الرضا لكنهم أسرعوا الى السعي على أرزاقهم . ولدى الباب وبينما كنت أنحني لأنتعل حذائي ﺇذا بجماعة من الرجال تحيط بي كمّمني أحدهم وتعاونوا جميعا على شد وثاقي ثم سمعت صوتا من خلفي يصيح ﺁمرﴽ:
خذوه !عرفت فيه صوت أحد رجال الصف الأول ، واقتادني الرجال وسط مقاومتي اليائسة الى مكان مجهول لا أثر فيه للشمس..

١٥‏/٤‏/٢٠٠٨

الرثاء

يوم جديد
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفله ؟
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبة لأبي
يدللها كطفلته..
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها ويطعمها
ويغمرها برحمته
ومات أبي
ومازالت..
تعيش بحلم عودته
شعر..نزار قباني
قصيدة..خمس رسائل الى أمي
ديوان..الرسم بالكلمات


" كأنه الأمس حين كنت واقفا ﹰ في السرادق أتلقى العزاء.. ذاهلا وشاردا أسمع صوت تلاوة القرﺁن كأنه يخرج من أعماق سحيقة ويتردد صداه من حولي في كل اتجاه ، ويصافحني المعزّون فأشكر سعيهم دون أن أسمع منهم شيئا كأن شخصا ﺁخر يرد عني..هل مرت ثلاث سنوات حقـﴼ ؟ فلماذا لا تزال لذعة الألم تضربني بسياطها وتأخذ القلب بين حين وﺁخر من حزنه الصامت وشجنه الهادئ الشفاف ؟ "
أمسك بالورقة وأخذ يعيد قراءة ما كتبه معدلا في صياغته أحيانا أو راضيا عنها في أحيان أخرى ، ثم بدأ يرتب أفكاره وينتقي كلماته التي سوف يرسلها الى الجريدة كي تنشر في صفحة (الأعزاء لا يرحلون)..منذ فترة يقرأ الصفحة بانتظام ويتأثر بما يكتبه القراء عن أهليهم وأصقائهم المقربين الذين رحلوا عن الدنيا ..ولكنه حين قرأ لتلك الفتاة التي كتبت تنعي أباها منذ يومين وشعر هذا الاختلاج في نفسه وهو يطالع كلماتها وأحس حزنا غريبا على رحيل رجل لم يكن قد عرفه يوما- قرر أن يكتب هو اﻵخر..
" لم ترحل يا أبي بل تساميت ، لا تزال روحك معي أشعر بها كلما دخلت البيت أو رأيت شيئا من أشيائك، لا تبخل عليّ بزيارتي في منامي فأراك في ثيابك البيضاء تضحك لي وتربت على كتفيّ أو تشير الى أختي كأنك توصيني بها ..دائما أنت موجود لكن ما يحزن أنني أنا من لم أعد أستطيع الوصول ﺇليك ..أسمعك ولا أستطيع أن أحدّثك،أراك ولا أقدر أن أحتضنك.. كأنك النجم الذي يبعث نوره في كل ركن ولكنه لا يلمس ولا ﻴرى الا على البعد "
رفع القلم وهو يشعر أن صدره يموج بالانفعال ، وعاودته المشاعر الرائقة التي واتته وهو يقرأ ما كتبته الفتاة عن أبيها وانتظر لحظات حتى هدأ ثم ابتسم وقال في نفسه:
" لا زلت أكتب جيدا "
وعاد يتذكر سنوات مضت ومعارك خاضها بغية دراسة الصحافة التي يحبها منذ صغره- لم يخرج منها منتصرا أمام الضغوط ثم خلّفته الى عمل لا يحبه وان لم يعد يكرهه..
" لم ترحل..دعواتك لي لم ترحل..حنانك ونصحك وطاقة النور التي كنت تفتحها لي كلما ضاقت عليّ الدنيا ..فقط أريد منك أن تسامحني ان لم أكن بررت بك ما تستحق – وكيف لمثلك أن يوفى ما يستحق؟- أو ان كنت لم أدرك الا متأخرا أن شدتك عليّ أحيانا – وأنت الحليم – ما كانت الا في صالحي..أظن قلبك الذي اتسع لحنان أب وأم معا بعد رحيل أمي سوف يغفر لي ، وعزائي أنني أنفذ ما أوصيتني به في معاملة زوجتي – وهل تعلمت الحب واحترام شريكة العمر الا مما كنت تفعل مع أمي – وأنني أرعى أختي متلمسا خطاك في رعايتها ..وليتقبل الله دعواتي لك بالجنة وطيب المثوى "
راجع ما كتبه مرة أخيرة ثم أعاد كتابته بخط منمق في ورقة أخرى موقعا في ﺁخرها :
ابنك /....
فكر قليلا ثم كتب:
شريف علي عبد العظيم
فاجأه فتح عنيف لباب الغرفة والصوت الغاضب الذي صاحبه:
* ألم تسمع كل هذه النداءات؟ هل مت أم أصابتك غيبوبة ؟
ارتبك وطوى الورقة ودسها برد فعل تلقائي أسفل أحد الملفات على مكتبه ثم قال بصوت مضطرب:
- عفوا يا أبي كنت أنهي أوراقا للعمل..هل تريد شيئا مني؟
* عمل؟وماذا نأخذ من عملك الا الفتات ؟ المهندس فاروق ذهب الى الشركة..المهندس فاروق عاد من الشركة ..هذا كل ما أخذناه ، ليت أمك تأتي وترى ما صنعه تدليلها لك.
- رحمها الله
* ألم تعد زوجتك المصون بعد من بيت أبيها ؟ من يغسل ويكوي ثيابي اذن؟
- سوف أتولى أنا أمرها..
خرج الأب فأغلق الباب خلفه وهو يتنهد ويهز رأسه أسفا، ثم عاد الى المظروف وأخذ يكتب العنوان..

١٠‏/٤‏/٢٠٠٨

أنا..

يوم جديد
وريقةً..وريقة ً
يسقط عمري من نتيجة الحائطْ
والورق الساقط ْ
يطفو على بحيرة الذكري
فتلتوي دوائرا
وتختفي دائرة ً فدائره ْ !
شعر..أمل دنقل
قصيدة..الموت في لوحات
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة


كلمة واحدة قالها أحدهما أعادتني الى سنوات وسنوات مضت..
كنا نحن الثلاثة جالسين في مقهانا المعتاد نتابع مباراة في دوري أبطال أوربا ثم احتدم الجدل بيننا حول من يفوز بالبطولة.
قال :" إذن نتراهن كما فعلنا من قبل"
الرهان الذي يتحدث عنه كان في أمم أوربا 2000 أي منذ ثماني سنوات..عدت بالذاكرة فـﺈذا نحن نجلس معاﹰ نتابع المباريات ويشجع كل منا فريقا ويأخذنا الجدل كما نفعل اليوم - وﺇن لم يكن نفس المكان –هل مرت كل هذه السنوات حقا؟ 11عاما تجمعنا الصداقة الحميمة كل الوقت والجيرة أو زمالة الدراسة أغلب الوقت ..لا يمكنني التخيل كيف كانت ستبدو حياتي دون وجودهما فيها..ﺇذا كان الماضي هو التجارب التي عشتها فقد شاركاني ﺇياها ولو كان الأفكار والمشاعر التي يخرج بها اﻹنسان فقد ساهما في تكونها.وﺇذا كان صوراﹰ تبقى في الذاكرة لتقفز أمام العيون بين حين وﺁخر أو حتى تقبع منسية في رفوفها المكدسة فهما يقفان باسمين في جوانبها ..
أنتما بذلك عمر عشته ولا أزال..
أتذكر كلمة –أظنها للحسن البصري- ما معناها:
" يابن اّدم ﺇنما أنت أيام فـﺈذا ضاع يومك ضاع بعضك "
إن صح ذلك فأنتما-إذن-أنا..
إسلام وإسلام..
شكراﹰ.

٣‏/٤‏/٢٠٠٨

اللوحة التي تذكرتها

يوم جديد
قالت فأين الليالي قلت يا شجني
اّه على الليل لو يخلو من الشجن
وما تريدين ممن شاب مفرقه
وباع أيامه الأولى بلا ثمن
وصار اّهة مفقود على طلل
وكان صدحة غريد على فنن
شعر..طاهر أبو فاشا

متأخرا كعادتي وصلت الى ذلك المركز الثقافي لأحضر حفلا موسيقيا ، كان أحد أصدقائي قد وصف لي المكان وحدثني عن هذا الفريق الذي يعزف الموسيقا الكلاسيكية التي أحبها؛اجتزت الباب ولكن لم أجد أحدا في المدخل لأسأله عن مكان القاعة فسرت يمينا كيفما اتفق وأفضت بي الطرقة الى بهو واسع. كان خاليا الا من رجل يبدو في الخمسين أو جاوزها جالس الى مكتب ، وعلى الجدران لوحات متفرقة لمناظر طبيعية أو لوجوه أشخاص.. نظرت حولي فوجدت طرقة على اليسار سرت فيها فلم أجد الا دورات مياه..استدرت عائدا ونظرت نحو الرجل وخطر لي أن أسأله عن مكان الحفل.. كان متوسط القامة ذا لحية مشذبة يرتدي بذلة سوداء دون ربطة عنق..لا يبدو أنه موظف هنا..لحظة واحدة التقت عيوننا ثم تشاغل بالقراءة في كتاب أمامه..لا أعرف لماذا خيّل لي أنه يفعل ذلك فقط كي يتحاشى نظرتي..خرجت من البهو ولاحظت لافتة على الجدار مكتوبا عليها:
"معرض الفنان......"
لا أذكر الاسم،في هذه اللحظة وجدت شابا يدخل المكان ويجلس الى المكتب المجاور للباب فسرت نحوه وسألته ضجرا عن مكان الحفل ..
لم يخطئ صديقي..كان الحفل جيدا الى حد كبير؛ لكن صورة لم تفارق ذهني طيلة الحفل وفي طريق العودة..النظرة في عيني الرجل.

٣٠‏/٣‏/٢٠٠٨

قطرات

يوم جديد
ألحّ عليه النزف حتى أحاله
الى صفرة الجوديّ عن حمرة الورد
فيالك من نفس تساقط أنفسا
تساقط در من نظام بلا عقد
شعر ابن الرومي
من قصيدة في رثاء ولده


كانت ساعته تشير الى الثانية عشرة والربع حين أوقف سيارة أجرة عائدا الى البيت ، لم يكن معتادا أن يخرج في هذا الوقت اذ ينتهي عمله في الرابعة كل يوم ولكن اليوم لا رغبة له في العمل00تعلل بالتعب واستأذن في الانصراف مبكرا00استرخى قليلا في المقعد وشرد مستعيدا ما حدث منذ أن استيقظ من نومه بعد السابعة 00ارتدى ملابسه مسرعا ولم يتناول افطاره مكتفيا بقليل من الشاي على عجل00كاد يفتح الباب لولا أن تذكر شيئا فذهب الى زوجته الراقدة في غرفة الابنة-وكانت قد تركت غرفتهما منذ أسبوع بعد خلافهما الأخير -
" لا تنسي ان تتصلي بالرجل لاصلاح الصنبور"
* " لن أنسى"
قالتها بفتور دون أن تنظر اليه وتقلبت في الفراش عائدة الى النوم00
استدعاه مديره بعد ساعة من وصوله، وحدثه عن بعض العقود التي عليه ان يعمل لابرامها مع عملاء جدد وعن تجديدات ينوي اجراءها في أسلوب العمل00قال له قبل أن يغادر:
* " عليك أن تركّز اكثر من ذلك00لم يعجبني أداؤك في الصفقة الأخيرة مع شركة الأسمنت "
بهت للحظة ثم ازدرد لعابه وقال بضيق حاول كتمانه :
" أنا أبذل قصارى جهدي يا سيدي، وما حدث في الصفقة الأخيرة لم يكن خطئي"
تجاهله المدير ثم أشار بيده منهيا الحديث :
" قلت لك ما عندي، عد الى عملك الاّن"
لماذا يصر هذا الرجل على استفزازه؟! ، يؤدي عمله على الوجه الأمثل ويحقق نجاحات واضحة لكنه لا يزال يضايقه بين حين واّخر بملاحظات مزعجة او انتقادات متوارية دون سبب00
هزه السائق فالتفت ليجده يمد يده اليه بسيجارة
* " تفضل"
-" شكرا 00لا أدخن"
* "تبدو غاضبا00هل لديك مشكلة"
كاد ينفي00لكن شيئا ما دفعه لأن يبوح بكل ما في صدره00
قال السائق :
"لكنني فهمت أن لك منصبا مهما بالشركة وتتقاضى راتبا جيدا، أليس كذلك؟"
-"بلى، ولكنني ضقت بالاستفزازات المتكررة وعدم تقدير ما أبذل من جهد00أريد أن أترك هذا المكان "
* " الأمر لا يستحق ذلك ، ثم انك لا تضمن ان تجد مكانا اّخر ليس فيه من يضايقك "
اكتفى بهز رأسه وهو يسمع كلاما سبق أن سمعه من أصدقائه ومن زوجته ولم يكن يقدم له حلا للمشكلة00فقط يزيده ضيقا وغيظا، ثم زاد الأمر سوءا حين استرسل السائق يحكي عما يواجهه من متاعب من المرور والركاب والزحام 00
*" يا أستاذ انا أعاني الأمرّين منذ طلوع الشمس وحتى أعود منهكا في اّخر الليل لكن ماذا بيدي أن أفعل؟ مهنتي التي لا أعرف سواها وفي النهاية كل شيء يمر"
كان يسمع بلا اهتمام وان تفرس في ملامح الرجل السمراء وشاربه الكث احيان متصنعا الانصات00علق في النهاية00
"حقا كل شيء يمر00"
***
أغلق الباب من خلفه ودلف مباشرة الى دورة المياه ليغسل وجهه ، ثارت أعصابه حين وجد قطرات المياه لا تزال تتساقط من الصنبور كما تركها ، دخل الى المطبخ وقال لزوجته التي كانت تعد الطعام :
-" ألم يأت أحد لاصلاح الصنبور؟"
* " بل جاء ولكن لم يتمكن من اصلاحه00قال انه يجب تكسير الجدار وتغيير انابيب المياه الداخلية"
-" واذن؟"
* "لا داعى لكل هذا العناء سنترك الأمور كما هي"
-" والهدر؟"
*"لا يهم انه لا يغرق المكان"
-" لايهم! طبعا00 متى كنت تهتمين بأي شيء أصلا؟"
*"الأمر تافه ولا يستحق هذه الثورة"
-قال بغضب:"لا تريدينني أن أثور وأنا أشاهد المياه تتساقط أمام عينيّ بهذا الشكل؟"
*" هل سأكون المخطئة في هذا الأمر أيضا؟"
زفر ضائقا وأشاح بوجهه عنها فأكملت بصوت غاضب:
*" هل عدت من عملك مبكرا كي تحرق أعصابي؟ أحترق في أعمال البيت وتربية ابنتك وأنت لا شيء يرضيك ولا أسمع منك سوى الشكوى00
(أنت لا تفهمينني00لا تقدّرين مشاعري00أنا لا أشعر أن لديّ زوجة)
ماذا تريد مني أن أفعل؟"
-"لا أريد شيئا منك 00لقد تعبت من الشجار والغضب والوحدة التي أشعر بها في هذا البيت00اّن الأوان أن ينتهي الأمر كله"
ثم أضاف ثائرا
"يجب أن أنهي الأمر كله"
اختلط صوته بجرس الباب 00ذهب وفتحه بعنف ليجد ابنته في ثيابها المدرسية حاملة حقيبتها00ما أن رأته حتى صاحت في فرح
"أبى!عدت من العمل؟"
ألقت بنفسها بين ذراعيه فاحتضنها بوجه أحمر وأنفاس متلاحقة00كان يشعر ان داخله بركانا على وشك الانفجارأو أنه موثوق ولا يستطيع فك قيوده ،فرت من بين ذراعيه وفتحت حقيبتها مخرجة قطعة من الشوكولاتة
"هذه لك"
قالتها ضاحكة فأخذها وبادلها الابتسام رغما عنه ثم قبّل وجنتيها وضمها اليه بقوة للحظات00كان لديه شعور يلح عليه أن يفعل شيئا يتوق له منذ زمن طويل جدا00أن يبكي00

٢٣‏/٣‏/٢٠٠٨

يحوّل نفسية

يوم جديد
جهل الناس روحه وأغانيها
فساموا شعوره سوم بخس
فهو في مذهب الحياة نبيء
وهو في شعبه مصاب بمس !
شعر..أبو القاسم الشابي
قصيدة..النبي المجهول

حدث لي هذا قبل ثلاث سنوات..
بحسبة بسيطة -أو معقدة- وجدت أنه من غير الممكن أن أحصّل المواد الأربع المقررة في الأيام الخمسة والأربعين المتبقية على امتحان اّخر العام ..لذلك قررت أن أؤجل احداها واستقر رأيي على الكيمياء الحيوية (1)..كانت أول مرة أقدم طلب تأجيل ولم أكن أعرف الاجراءات ، ذهبت الى غرفة شئون الطلبة وهناك أعطتني الموظفة استمارة لأملأها ، كان نص الطلب المكتوب:
أرجو تأجيل امتحان الدور الأول في مواد......
وذلك لمرضي...
كتبت بياناتي واسم المادة ثم ناولتها الورقة فأشارت الى السطر الأخير قائلة:
- "اكتب هنا : النفسي "
-"عفوا؟"
-"النفسي..بعد كلمة (مرضي)"
لم أفهم المعنى ولكنني كتبت ثم كتبت هي في الورقة:
"يحوّل نفسية "
نظرت لها مستفهما فأشارت الىّ أن :انتهى الأمر ..غادرت ولم ألق بالا .

***
خارجا من أحد الامتحانات وقفت مع زملائي نتبادل الحديث-كان امتحان الكيمياء الحيوية قد مرّ ولم ادخله بالطبع-قال أحدهم انه سيتركنا ليذهب الى مركز الطب النفسي -التابع للكلية-من أجل اتمام التأجيل.. قلت :
"وما علاقة التأجيل بالطب النفسي؟"
* "ألم تؤجل الكيمياء الحيوية ؟"
- " بلى"
* "ألم تقم بالكشف الطبي هناك ؟"
- "أي كشف؟"
قال ضاحكا :" وهل كنت تظن أنك تكتب ورقة ثم ينتهي الأمر هكذا ؟! "
في الطريق شرح لي أنه لكي أؤجل امتحاني يجب أن يكون لديّ عذر مرضي ، فان لم يكن يكتب في الأوراق أن لديّ مرضا نفسيا منعني من دخول الامتحان ويوقّع عليّ الكشف الطبي بمركز الطب النفسي ..كنت مندهشا من الأمر كله ومن أن موظفة شئون الطلبة لم تخبرني أنه عليّ التوجه للكشف ..
-" لولا المصادفة لاعتبرت غائبا عن الامتحان ورسبت "

***
راعني المشهد أول ما اجتزت بوابة مركز الطب النفسي - وكنت أدخله للمرة الأولى - حشد هائل من الطلاب يقفون متزاحمين ومتململين في جو صيفي حارق وخانق ..
- " كل هؤلاء في انتظار الكشف ؟ "
* " ادع الله ألا تتأخر الطبيبة "
كانت محبطة جدا اجابات صديقي عن أسئلتي المتوالية :
* طبيبة واحدة هي من تقوم بالكشف
* تأتي يومين فقط في الأسبوع
* ليست لها ساعة محددة ..
وقفنا وسط الزحام وتحت لفح الشمس منتظرين الفرج..فجأة وجدت الحشد يتحرك في سرعة فوضوية ليلتفوا حول سيدة تنزل من سيارتها ..بدا لي منظرها أقرب لنجوم السينما الذين يتزاحم عليهم الناس لمصافحتهم وأخذ توقيعهم ..طبعا لم يكن الأمر ليتم بهذه الصورة فقررت الطبيبة أنها لن توقّع على أية أوراق الا في المدرج ..
تحرك (الموكب) الى المدرج واتخذت مقعدي الى جوار صديقي .. بدأ كل طالب في التحرك حيث تملأ الطبيبة بعض البيانات وتتحدث اليه ببضع كلمات ثم يغادر..
كانت قد مرت ثلاث ساعات أو تزيد عندما حان دوري ووقفت أمامها لتسألني :
" لماذا أجلت امتحانك "
أجبت " لم أكن جاهزا وخفت ألا أجيب بشكل جيد "
كتبت كلمات في ورقة أمامها أظن من بينها (قلق) أو (خوف) لا أذكر تحديدا ..كل ما أذكره أنها بذلك تيقنت من (مرضي النفسي) الذي منعني من دخول الامتحان - الذي كان قد مر عليه أسبوع - ..خرجت وأنا أتنفس الصعداء مشفقا على بقية (المرضى النفسيين) الذين لا يزالون في انتظار دورهم ..
أتذكر الاّن كلمات د.أحمد عكاشة الطبيب النفسي الشهير حين قال ان نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية يمثلون فقط 0.5%من مجمل المرضى أما الباقون 99.5 % فهم يعيشون بيننا ولا أحد يشعر بهم ..بالفعل الكثيرون في هذا المكان في حاجة لأن (يحولوا نفسية)

.....................
(1) يسمح نظام الكلية بتأجيل امتحان الدور الأول على أن يمتحن الطالب في دور سبتمبر ويحصل على درجاته كاملة
ملحوظة: تغير هذا النظام فيما بعد وأصبح التأجيل مسموحا به دون عذر مرضي..مجرد كتابة الطلب ودفع الرسوم ينهي الأمر..لا أعرف كيف كان سيبدو الوضع لو أن النظام لم يتغير وعلمت به هيئة الاعتماد ..أظن (كافيتريا الاعتماد )ستكون الملاذ الوحيد في هذه الحالة..