٢٩‏/١١‏/٢٠٠٧

الرجل في المقهى

يوم جديد

وحدي أنازل ما تبقى

من سنين العمر

في حرب تدوم بلا سلام

شعر00محمد ابراهيم أبو سنة











ما حكاية هذا الرجل؟ كلما ذهبت الى المقهى الذي أرتاده مع أصدقائي وجدته جالسا هناك00كان الأمر عاديا في البداية لكن هذا الوجود الدائم كان ملفتا للنظر00صرت أتندر وأصحابي بالأمر فأقول ان المقهى قد أنشئ فوقه منذ البداية ويقول أحدهم ان لدى الرجل غرفة نوم في الداخل00سألت صاحب المكان عنه ذات مرة فأجاب مبتسما :الأستاذ سعيد ؟يسألني الناس عنه كثيرا00بدأ يأتي الى هنا منذ حوالي عامين00وحده أحيانا وبرفقة صديقه الأستاذ سالم أحيانا أخرى00أحب المكان ويأتي اليه باستمرار00قلت له ضاحكا:لماذا لا تطلقون اسمه على المقهى تكريما له ؟00

.......................................................................................................................................



بدأت ألاحظ الرجل أكثر فأكثر00يبدو بجسده النحيل وشعره الأشيب في الستين أو جاوزها بقليل00يدخن السجائر ويحتسي الشاي00يقرأ الجرائد أو يتابع التلفاز أو ينشغل بالحديث مع صديقه00ماذا كان اسمه ؟-لكنني لاحظت أنه في مرات كثيرة كان يمسك بهاتفه المحمول ويطيل النظر اليه خصوصا اذا كان وحيدا00
.......................................................................................................................................

كان ثاني أيام العيد00سبقت أصدقائي الى المقهى وجلست على الطاولة المجاورة لطاولة الأستاذ سعيد كان وحيدا هذه المرة 00سرعان ما دق هاتفه المحمول فوجدته يرد بصوت متهدج من الانفعال :محمود !كيف حالك يا حبيبي؟ هل يجب أن يأتي العيد كي تسأل عني ؟ أعانك الله يا حبيبي00أنا بخير والحمد لله على كل حال00أفتح المحل صباحا وأجلس مع عمك سالم في المقهى مساء ولا أعود الا للنوم00البيت صعب جدا في غياب أهله00لقد زرت أمك بالأمس وقرأت لها القراّن00لو كانت بيننا لما احتملت فراقك كل هذه الفترة00ألن تأتي في اجازة يامحمود ؟لقد اشتقتك كثيرا000قريبا 00قريبا00لا تزال تكررها وقريبا هذه لا تأتي أبدا00مع السلامة باحبيبي00لا اله الا الله00
......................................................................................................................................
هذا هو ثالث يوم أحضر فيه للمقهى ولا أجده00المكان يفقد الكثير من روحه 00هل يكون قد أصابه مكروه؟سألت أصحابي عنه فلم يعرف أحدهم جوابا لكن تعليقاتهم لم تخل من سخرية معتادة00قلت بشيء من الحدة :الرجل لم يفعل شيئا لنسخر منه0
لم يضف صاحب المقهى جديدا حين قال انه لم يأت منذ بضعة أيام وهو لا يعرف السبب00الأستاذ سالم غير موجود أيضا
كنت أدفع الحساب مستعدا للرحيل بعد أمسية مملة حين وجدته بجسده النحيل وشعره الأشيب يدلف من باب المقهى محييا النادل00اتجهت نحوه وقلت له دون تفكير : لقد افتقدناك كثيرا00حمدا لله على سلامتك00ظهرت الدهشة على ملامحه وارتبك للحظة ثم ما لبث أن رد تحيتي مبتسما وفي عينيه نظرة أحسبها تحمل امتنانا00

١٠‏/١١‏/٢٠٠٧

خلفية المحمول

يوم جديد

يا رياحا ليس يهدا عصفها

نضب الزيت ومصباحي انطفا

وأنا أقتات من وهم عفا

وأفي -العمر-لناس ما وفى

كم تقلبت على خنجره

لا الهوى مال ولا الجفن غفا

واذا القلب على غفرانه

كلما غاربه النصل00عفا

ابراهيم ناجي

قصيدة الأطلال




كان عماد جالسا على مقعده في المدرج بين المحاضرتين عندما دخل صديقه مصطفى وجلس بجواره باسما00

عماد : كيف حالك اليوم ؟

مصطفى : الحمد لله

عماد :لماذا لم تحضر المحاضرة السابقة ؟

مصطفى :في الحقيقة 00وجدت النوم أكثر فائدة !0

ضحك الاثنان ثم قال مصطفى : عماد 00دقيقة واحدة من هاتفك لو سمحت

أخرج عماد هاتفه المحمول من جيبه وناوله لمصطفى فسأله الأخير :انه مغلق هل فرغ شحن البطارية ؟

عماد : لا ولكنني أغلقته بسبب المحاضرة00

أمسك مصطفى بالهاتف وضغط الأزرار ثم التفت الى عماد قائلا : لمن هذه الصورة؟

عماد:انه حاتم السعدى

مصطفى :ومن يكون؟

رد عماد مبتسما :شاعر كبير

مصطفى :ولماذا تضع صورته ؟

عماد :هو من أكثر الناس الذين أحبهم00هل أعيرك ديوانا له؟

رد مصطفى ضاحكا :وهل أقرأ الكتب الدراسية حتى أقرأ شعرا ؟

انهمك مصطفى في اجراء الاتصال لكنه أنهاه باقتضاب اذ رأى المحاضر يدخل من باب المدرج وناول عماد الهاتف00كان المحاضر مدرسا مساعدا في الثلاثينات جاد الملامح ميالا للعبوس 00سرعان ما أمسك بالميكروفون وانهمك في شرح موضوع المحاضرة أو بمعنى أصح في التخلص من الكلمات المحبوسة في جوفه00لم يوقف هذا السيل المنهمر من الثرثرة الا رنين هاتف محمول في وسط المدرج00اتقدت عيناه وأمر بصوت أقرب للصراخ : تعال هنا !0

مزيج من الحرج والضيق اعترى عماد في هذه اللحظة وهو ينهض من مقعده ويمر من بين الطلاب لكي ينفذ الأمر 00(كيف دق هذا الملعون وكنت قد أغلقته عند دخولي للمدرج ؟اّه00مصطفى!) نظر نحو مصطفى معاتبا فرفع الأخير يده معتذرا00

هيا !00صاح المحاضر فأسرع عماد الخطى نحوه حتى وقف أمامه مباشرة00

المحاضر :ألم أحذركم في أول يوم دخلت لكم فيه من فتح الهواتف أثناء محاضرتي؟

هز عماد رأسه وقال :أنا اّسف لكن00

المحاضر :أعطني هذا الهاتف

عماد :والله كنت قد أغلقته لكن00

المحاضر :قلت لك هاته !0

كان المحاضر يصرخ في الميكروفون بصوت يهز المدرج بينما كان عماد بصوته مجردا وزاده الحرج انخفاضا حتى أن أحدا من الطلاب لم يكن يكاد يسمعه00أمسك المحاضر بالهاتف ثم قال :صورة من هذه ؟

عماد :حاتم السعدي

المحاضر :السعدي !0

عماد : الشاعر والكاتب الكبير00

المحاضر :شاعر ! أنت تقرأ الشعر اذن0

عماد : نعم

المحاضر :عظيم عظيم00تترك دراستك من أجل أن تقرأ00خرج الحزن من قوقعة الحياة المتكسرة وصار يسكر حتى وصل الى دروب الانتحار الشاطئي وذاب في عالم من ال00بطيخ00

ضج الحضور بالضحك بينما احتقن وجه عماد وأضاف المحاضر : كلام فارغ

عماد : حاتم السعدي لا يكتب مثل هذا الكلام ثم ان الشعر ليس كلاما فارغا00

لكن المحاضر لا يترك له فرصة : اخرج من المحاضرة

عماد :لكنني اعتذرت عن خطئي وهي المرة الأولى

المحاضر : قلت لك اخرج والا حرمتك الحضور بقية العام00

خرج عماد مستسلما وجلس في ساحة الكلية في ضجر00خرج أصحابه بعد نهاية المحاضرة وتوجهوا نحوه باسمين:

حازم :لا تحزن 00ولكن هل هناك أحد يضع صورة شاعر على هاتفه ؟

طارق : لماذا لم تضع صورة المتنبي ؟

اياد :ضع صورة (الدكتور) وسوف يصفح عنك فورا يضحك الجميع ويبتسم عماد رغما عنه0

جلس عماد في غرفته وأمسك بالهاتف متذكرا ماحدث له بسببه في هذا اليوم00سمع جلبة في خارج الغرفة ميز فيها صوت (الحاج محمود )صديق والده ثم سمع صوت والده يناديه : تعال يا عماد 00عمك محمود هنا

خرج عماد مسرعا وصافح الحاج محمود بحرارة وتبادلا التحية المعتادة00وجعل الحاج محمود يسأله عن أحواله وعن الدراسة ثم فجأة أشار للهاتف في يد عماد قائلا :أرني هاتفك يا عماد لو سمحت0

ما قصة هذا الهاتف اليوم ؟00قالها عماد في نفسه وهو يعطي الهاتف للحاج محمود

الحاج : ولدي (محمد) يريد هاتفا جديدا لكنني لا أعرف أي نوع أشتري أنت تعلم أن00صورة من هذه؟ أظنني رأيته قبل ذلك0

عماد (بابتسامة ): انه حاتم السعدي 00شاعر

الحاج :نعم 00نعم00ولماذا تضع صورة شخص كهذا ؟

عماد :وما به ؟

الحاج :ما به ! يكتب في العشق والفرام والخلاعة وقلة الأدب!0

عماد : حاتم السعدي ليس قليل الأدب وانما00

الحاج :أنت تصلي وتعرف ربك 00ألم تقرأ قوله تعالى :"والشعراء يتبهم الغاوون*ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون "0

لكنه -تعالى-يقول بعدها : "الا الذين اّمنوا0000"0

لكن الأب يقاطعه قائلا :عماد00هل ستعرف أكثر من عمك ؟ أيليق بك أن تناطحه في الكلام بهذا الشكل ؟يبدو أن الكتب التي تضيع نقودك عليها قد أفسدتك00

ذهب عماد في يوم اخر الى الجامعة وقد حذف صورة حاتم السعدي ووضع صورة ابن أخيه الرضيع بدلا0

٥‏/١١‏/٢٠٠٧

نغمة ناقصة

يوم جديد
وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي
مرهف السمع لوقع القدم
ابراهيم ناجي
الأطلال

الساعة تقترب من السابعة وموعدي في التاسعة لا يزال 00ساعتان برفقة هذا الشعور المزعج00الانتظار00أسوأ لحظاتي حين أكون منتظرا لشيء ما 00أشعر أن العالم كله متوقف وسحابة من الملل تجثم على عيني وتمنع عنها الرؤية00أعيش هذه اللحظات كثيرا 00الطريق الطويل في انتظار الوصول الى الجامعة 00الوقوف الطويل بسبب الزحام00دخلت الى مقهى قريب للمكان الذي أقصده00كانت أول مرة أدخله فيها وتوسمت أنه سيكون لطيفا00كان تصميم المكان وألوان الجدران تبعث على كثير من البهجة 0 ثمة رجل يجلس وحيدا يتطلع الى حاسب محمول ومجموعة من الشباب والفتيات يتبادلون الكلام والضحك ورجل وامرأة في الجهة الأخرى يتحدثان بهدوء00كان التلفاز مفتوحا على احدى القنوات التي أحبها وفي الخلفية تهدر موسيقا كلاسيكية غربية ناعمة00جعلت أقرأ جريدتي المفضلة التي أحضرتها معي وأنا أحتسي القهوة00ليست القهوة مشروبا كغيره 00اللون البني 00البخار الهائم المتصاعد من أعلى القدح00رائحة البن التي تسبح كما تشاء في الرئتين وتنفذ الى الروح00احساس غامر بمتعة تدوم نكتها ويبقى أثرها لساعات00بين حين واّخر كنت أترك القراءة لأتابع الشاشة أوألتفت نحو مصدر ضحكات عالية تخترق هدوء الموسيقى00لكن الأمر لم يخل من لحظات ملل ونظرالى الساعة00كانت كعكة الشوكولاتة لذيذة جدا00أعشق الشوكولاتة منذ الصغر وان لم أعد أستمتع بها الاّن كما كنت سابقا00ليست الشوكولاتة وحدها على كل حال00وضعت الجريدة جانبا وقمت لاّخذ كتابا من أرفف المكتبة الصغيرة عن يساري00قلبت نظري بين الكتب واخترت مجموعة قصصية00قرأت القصة الأولى فأعجبتني بشدة وخالفت طبيعت في تأمل القصة بعد قراءتها بسبب ضيق الوقت ولأنني مضطر الى ترك الكتاب وشرعت في قراءة التالية00كانت لطيفة وان لم تعجبني كسابقتها00والتفتّ الى الثالثة لكنّ ظلا ارتسم على الطاولة فرفعت رأسي لأجد النادل يقول لي بابتسامة محرجة ويده تشير الى الكتاب : معذرة يا سيدي فهذه المجموعة للبيع ابتسمت ابتسامة صفراء وناولته الكتاب وتجهزت للخروج00
فاجأتني أبواق السيارات الصارخة وتوقف الطريق بسبب شدة الزحام00كانت وجوه الناس في السيارات تشع تعبا الى حد السخط00فكرت للحظة أن أستدير وأعود للمقهى مرة أخرى وشعرت كأنني أسمع الموسيقا الناعمة في أذني اّتية من بعيد00لكن نظرة الى ساعتي حسمت الأمر0