يوم جديد
وكثير من السؤال اشتياق ٌ
وكثير من رده ..تعليل ُ
شعر..أبو الطيب المتنبي
من وحي 14 نوفمبر..
ابتسمت بسعادة وأنا أقترب من صالون الحلاقة ، حين سمعت مطلع الأغنية الجميل يأتـي من المذياع داخله . ألقيت التحية وجلست بسرعة أستمع إليها . وكنت قد سمعتها لأول مرة منذ وقت قريب بالمصادفة ، ولم أعرف حتى من تغنيها ، لكن موسيقاها العذبة لم تفارق أذني فعرفتها من أول وهلة . غير أن فرحتي لم تدم طويلا ، إذ بدأت ثرثرة الحلاق مع الزبون الذي يمسك برأسه ، مع صوت المقص الرتيب المزعج يتعاونان على تغطية صوت المذياع . والحق أن ثرثرة الحلاق أمر قد اعتدته منه ، لكن المختلف هذه المرة كان الحماس الذي يتكلم به ، والذي يشاركه إياه الزبون ، حتى أن يده كانت تتوقف عن العمل وتضع المقص جانبا لتشير هنا وهناك وتساعده في التعبير والشرح . ولم أكن بحاجة إلى توضيح ما أن سمعت كلمة (الجزائر) حتى أدرك أنهما كانا يتحدثان عن المباراة المرتقبة التي تجمع منتخبها بمنتخبنا ، إذ أصبحت المباراة حديث الكل في هذه الأيام .
قال الحلاق :
-هل شاهدت ما تعرضه البرامج التلفزيونية ؟ كل يوم يسبوننا ويتوعدون . كأن بلدهم كلها على أهبة الاستعداد للحرب ضدنا .
* إنهم يكرهون مصر . لو أن المباراة ضد فريق آخر لما فعلوا شيئا من هذا . لكنهم لا يطيقون أن تهزمهم مصر . مع أننا طالما ساعدناهم أيام ثورتهم وفعلنا ما لم يفعله لهم أحد .
-هكذا العرب كلهم . نفني أنفسنا من أجلهم ونحل أزماتهم ، ثم لا نجد إلا الحقد ونكران الجميل .
كنت أهتم بالمباراة كالجميع ، والحق أنني لا أتابع الكرة إلا لماما ، لكن المباراة حاسمة والفوز يدفع بنا إلى آفاق بعيدة . على أنني كنت ضائقا من الثرثرة التي أعاقتني عن متابعة الأغنية ، وبدأت أرهف السمع :
" نسيت الدنيا وجريت عليه..
سبقني هو وفتح إيديه "
ثم انهمك الاثنان في تحديد أسلوب اللعب الأمثل للمواجهة ، واللاعبين الذين من المتوقع أن يحرزوا أهدافا .
قال الزبون :
-يقولون إن لديهم أكثر من لاعب مصاب .
* وهل تصدق ذلك يا أستاذ ؟ ما هي إلا محاولة ساذجة لخداعنا . أقطع ذراعي إن لم تجد هؤلاء اللاعبين بكامل لياقتهم في الملعب .
خطفت أذني النقلة الموسيقية ..
" وأنا لما صحيت على حبك
وشفت الدنيا من عندك
أتمنى لو كل العشاق ..
يحبوا زي أنا ما بحبك "
*ما رأيك أنت يا أستاذ ؟
قالها الحلاق ولم أسمع ردا . فالتفت لأجده ينظر نحوي موجها لي الحديث . قلت وأنا لا أعرف فيم يسألني :
-نعم ..صحيح ..
أضفت محاولا الخروج من المأزق :
-بإذن الله تسير الأمور بخير ونفوز .
قلتها والتفت ثلاثتنا نحو وقع الأقدام . كان هناك ضابط شرطة يدخل إلى الصالون . ما أن رآه الحلاق حتى هرول إليه محييا ومصافحا :
*أهلا يا سعادة الباشا . كيف حال سعادتك ؟
لكن الضابط لم يمد يده ، وأشار إلى الشعر الذي يلوث يد الحلاق ، وقال :
-سأمر عليك ليلا لقص شعري . لا تغلق قبل أن آتي .
رأيت الوجوم يكسو وجه الحلاق للحظة قبل أن يرد بشكل آلي :
*تحت أمرك .
ثم استدار الضابط خارجا ، لكنه توقف وقال وهو يشير إلى المناشف التي كان الحلاق يعلقها على حامل أمام الصالون :
-لا تضع أشياءك خارج المحل ..فهو إشغال للرصيف .
عاد الحلاق بعدها إلى العمل صامتا ، ثم قال شاكيا للزبون :
*هذا الرجل والجماعة التي تعمل معه يحلقون عندي منذ سنة ، ووالله لم أنل منهم قرشا واحدا .
هز الزبون رأسه أسفا وقال :
-ولماذا لا تشكوه ؟
رد الحلاق :
*أشكوه لمن يا سيدي ؟ الشكوى لله .
ولم يمر وقت طويل حتى عادا للحديث الأول ، وعدت أنا للأغنية كلما استطعت . قال الحلاق بحماس :
*يجب أن ندخل الرعب في قلوبهم منذ وصولهم إلى المطار وحتى نهاية المباراة .يجب ألا يروا إلا أعلام مصر ولا يسمعوا إلا الهتافات .
ثم أضاف بلهجة منغمة :
*آه كم أتطلع إلى هذا اليوم ! حين ندخل الحسرة إلى قلوبهم ونهزمهم هزيمة لا يمكن نسيانها .
لحظتها تأوه الزبون ، إذ كان موسيّ الحلاق قد جرح رقبته . ورغم أن الحلاق اعتذر أكثر من مرة إلا أن الزبون ثار ونعته بالعمى والغباء ، ثم قام ساخطا وهو يتحسس جرحه وغادر المكان . وبقي الحلاق محمر الوجه للحظات ، حتى قمت وأخذت دوري على الكرسي .
" ومين يصدق يجرى ده كله
ونعيش سوا..
نعيش سوا العمر كله
في يوم وليلة "
ولم أكد أفرح بانتهاء الضوضاء حتى وجدت الأغنية انتهت ، ثم أنصتّ للمذيع بعدها ، وعرفت أخيرا أن صاحبة الأغنية هي (وردة الجزائرية) .
١٢/١١/٢٠٠٩
١٠/١١/٢٠٠٩
ما بعد النهاية
وصفّق الجمهور مبتهجًا
وأسدل الستارْ
رجعت نحو غرفتي
أبدل الثيابْ
وأستعدّ للرحيل ْ
وجدت باب غرفتي منغلقا
من أغلقه – الباب ؟
طرقته منزعجا
ركلته مرتبكا
صرختُ ..لا جواب ْ
من أغلق الأبوابْ ؟
قصدت باب المسرح الكبيرِ
كان مغلقا..
صرخت في عذاب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟
وجاءني صوت ثقيل ْ
محاصرا كأنه جحافل التتار ْ
وقاتلا كأنه انفجارْ
" لم يحن الرحيل ْ"
فقلت : بل حان ولم يبق سوايَ
رد في إصرارْ
"فلتكمل التمثيلْ"
-الآن َ ؟
لا جمهور في المسرحِ ِ
لا أحد ٌ يشاهد ما أمثله
وقد نزل الستار ْ
" فلتكمل التمثيل ْ "
-المسرحية انتهت ْ
لم تبق أحداث لكي تجري ولا أدوار ْ
ماذا أقول ولم يعد عندي كلام أو حوار ْ
وبقية الأبطال ما عادوا هنا
لا أستطيع بدونهم تمثيل دوري
أي دور ٍ في مشاهد َ من فراغ ٍ
أي معنى لانتظارْ ؟
لا شيء إلا أن تؤلف لي بنفسك َ
ما أمثلهُ
وترسم لي طريقا
سوف أسلكهُ
وما عندي خيارْ
أصرخ ْ..
لا يأتيني الصوت ْ
أصرخْ ..
في جنبات الصمت ْ
أصرخُ ..لاجواب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟!
أكتوبر 2007
وأسدل الستارْ
رجعت نحو غرفتي
أبدل الثيابْ
وأستعدّ للرحيل ْ
وجدت باب غرفتي منغلقا
من أغلقه – الباب ؟
طرقته منزعجا
ركلته مرتبكا
صرختُ ..لا جواب ْ
من أغلق الأبوابْ ؟
قصدت باب المسرح الكبيرِ
كان مغلقا..
صرخت في عذاب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟
وجاءني صوت ثقيل ْ
محاصرا كأنه جحافل التتار ْ
وقاتلا كأنه انفجارْ
" لم يحن الرحيل ْ"
فقلت : بل حان ولم يبق سوايَ
رد في إصرارْ
"فلتكمل التمثيلْ"
-الآن َ ؟
لا جمهور في المسرحِ ِ
لا أحد ٌ يشاهد ما أمثله
وقد نزل الستار ْ
" فلتكمل التمثيل ْ "
-المسرحية انتهت ْ
لم تبق أحداث لكي تجري ولا أدوار ْ
ماذا أقول ولم يعد عندي كلام أو حوار ْ
وبقية الأبطال ما عادوا هنا
لا أستطيع بدونهم تمثيل دوري
أي دور ٍ في مشاهد َ من فراغ ٍ
أي معنى لانتظارْ ؟
لا شيء إلا أن تؤلف لي بنفسك َ
ما أمثلهُ
وترسم لي طريقا
سوف أسلكهُ
وما عندي خيارْ
أصرخ ْ..
لا يأتيني الصوت ْ
أصرخْ ..
في جنبات الصمت ْ
أصرخُ ..لاجواب ْ
من أغلق الأبواب ْ ؟!
أكتوبر 2007
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)