١٢‏/١١‏/٢٠٠٩

في يوم وليلة

يوم جديد
وكثير من السؤال اشتياق ٌ
وكثير من رده ..تعليل ُ
شعر..أبو الطيب المتنبي

من وحي 14 نوفمبر..


ابتسمت بسعادة وأنا أقترب من صالون الحلاقة ، حين سمعت مطلع الأغنية الجميل يأتـي من المذياع داخله . ألقيت التحية وجلست بسرعة أستمع إليها . وكنت قد سمعتها لأول مرة منذ وقت قريب بالمصادفة ، ولم أعرف حتى من تغنيها ، لكن موسيقاها العذبة لم تفارق أذني فعرفتها من أول وهلة . غير أن فرحتي لم تدم طويلا ، إذ بدأت ثرثرة الحلاق مع الزبون الذي يمسك برأسه ، مع صوت المقص الرتيب المزعج يتعاونان على تغطية صوت المذياع . والحق أن ثرثرة الحلاق أمر قد اعتدته منه ، لكن المختلف هذه المرة كان الحماس الذي يتكلم به ، والذي يشاركه إياه الزبون ، حتى أن يده كانت تتوقف عن العمل وتضع المقص جانبا لتشير هنا وهناك وتساعده في التعبير والشرح . ولم أكن بحاجة إلى توضيح ما أن سمعت كلمة (الجزائر) حتى أدرك أنهما كانا يتحدثان عن المباراة المرتقبة التي تجمع منتخبها بمنتخبنا ، إذ أصبحت المباراة حديث الكل في هذه الأيام .
قال الحلاق :
-هل شاهدت ما تعرضه البرامج التلفزيونية ؟ كل يوم يسبوننا ويتوعدون . كأن بلدهم كلها على أهبة الاستعداد للحرب ضدنا .
* إنهم يكرهون مصر . لو أن المباراة ضد فريق آخر لما فعلوا شيئا من هذا . لكنهم لا يطيقون أن تهزمهم مصر . مع أننا طالما ساعدناهم أيام ثورتهم وفعلنا ما لم يفعله لهم أحد .
-هكذا العرب كلهم . نفني أنفسنا من أجلهم ونحل أزماتهم ، ثم لا نجد إلا الحقد ونكران الجميل .
كنت أهتم بالمباراة كالجميع ، والحق أنني لا أتابع الكرة إلا لماما ، لكن المباراة حاسمة والفوز يدفع بنا إلى آفاق بعيدة . على أنني كنت ضائقا من الثرثرة التي أعاقتني عن متابعة الأغنية ، وبدأت أرهف السمع :
" نسيت الدنيا وجريت عليه..
سبقني هو وفتح إيديه "
ثم انهمك الاثنان في تحديد أسلوب اللعب الأمثل للمواجهة ، واللاعبين الذين من المتوقع أن يحرزوا أهدافا .
قال الزبون :
-يقولون إن لديهم أكثر من لاعب مصاب .
* وهل تصدق ذلك يا أستاذ ؟ ما هي إلا محاولة ساذجة لخداعنا . أقطع ذراعي إن لم تجد هؤلاء اللاعبين بكامل لياقتهم في الملعب .
خطفت أذني النقلة الموسيقية ..
" وأنا لما صحيت على حبك
وشفت الدنيا من عندك
أتمنى لو كل العشاق ..
يحبوا زي أنا ما بحبك "
*ما رأيك أنت يا أستاذ ؟
قالها الحلاق ولم أسمع ردا . فالتفت لأجده ينظر نحوي موجها لي الحديث . قلت وأنا لا أعرف فيم يسألني :
-نعم ..صحيح ..
أضفت محاولا الخروج من المأزق :
-بإذن الله تسير الأمور بخير ونفوز .
قلتها والتفت ثلاثتنا نحو وقع الأقدام . كان هناك ضابط شرطة يدخل إلى الصالون . ما أن رآه الحلاق حتى هرول إليه محييا ومصافحا :
*أهلا يا سعادة الباشا . كيف حال سعادتك ؟
لكن الضابط لم يمد يده ، وأشار إلى الشعر الذي يلوث يد الحلاق ، وقال :
-سأمر عليك ليلا لقص شعري . لا تغلق قبل أن آتي .
رأيت الوجوم يكسو وجه الحلاق للحظة قبل أن يرد بشكل آلي :
*تحت أمرك .
ثم استدار الضابط خارجا ، لكنه توقف وقال وهو يشير إلى المناشف التي كان الحلاق يعلقها على حامل أمام الصالون :
-لا تضع أشياءك خارج المحل ..فهو إشغال للرصيف .
عاد الحلاق بعدها إلى العمل صامتا ، ثم قال شاكيا للزبون :
*هذا الرجل والجماعة التي تعمل معه يحلقون عندي منذ سنة ، ووالله لم أنل منهم قرشا واحدا .
هز الزبون رأسه أسفا وقال :
-ولماذا لا تشكوه ؟
رد الحلاق :
*أشكوه لمن يا سيدي ؟ الشكوى لله .
ولم يمر وقت طويل حتى عادا للحديث الأول ، وعدت أنا للأغنية كلما استطعت . قال الحلاق بحماس :
*يجب أن ندخل الرعب في قلوبهم منذ وصولهم إلى المطار وحتى نهاية المباراة .يجب ألا يروا إلا أعلام مصر ولا يسمعوا إلا الهتافات .
ثم أضاف بلهجة منغمة :
*آه كم أتطلع إلى هذا اليوم ! حين ندخل الحسرة إلى قلوبهم ونهزمهم هزيمة لا يمكن نسيانها .
لحظتها تأوه الزبون ، إذ كان موسيّ الحلاق قد جرح رقبته . ورغم أن الحلاق اعتذر أكثر من مرة إلا أن الزبون ثار ونعته بالعمى والغباء ، ثم قام ساخطا وهو يتحسس جرحه وغادر المكان . وبقي الحلاق محمر الوجه للحظات ، حتى قمت وأخذت دوري على الكرسي .
" ومين يصدق يجرى ده كله
ونعيش سوا..
نعيش سوا العمر كله
في يوم وليلة "
ولم أكد أفرح بانتهاء الضوضاء حتى وجدت الأغنية انتهت ، ثم أنصتّ للمذيع بعدها ، وعرفت أخيرا أن صاحبة الأغنية هي (وردة الجزائرية) .

هناك ٤ تعليقات:

monem يقول...

الكورة تقريب الحاجة الوحيدة في مصر اللي ممكن تكون هدف جماعي لكل المصريين و هدف حقيقي ممكن ننجح في تحقيقه.. وممكن دا سبب الاهتمام الزائد بالماتش والفرحة المبالغ فيها واظن ان الوضع ميختلفش في الجزائر.......

يا مراكبي يقول...

نهاية ساحرة .. وردة الجزائرية

أعجبني جدا اللقطة التي يتعرض فيها الحلاق لقهر الشرطي .. لم يعنيه ذلك الأمر مثلما يهتم بمباراة كرة القدم

إنه الجنون بعينه .. فإهتمام الناس بكرة القدم يشعرك وكأن جميع المشاكل قد تم حلها في هذا البلد .. سبحان الله

أحمد فياض يقول...

الصديق monem
كلامك فيه كثير من الحقيقة (للأسف) ، فالهدف الجماعي أو ما كان يسمى بالحلم العام غائب عن المصريين منذ سنوات طويلة..هذا يفسر اهتمام كل الناس بالمباراة بما فيهم من لا يتابعون الكرة في الأصل ..
تحياتي لك

أحمد فياض يقول...

المراكبي..
بل لأن المشاكل لا تحل فالكل يهتم بالكرة التي صرنا نحقق فيها نجاحات ..
سعدت برأيك يا عزيزي
تحياتي