٣٠‏/١‏/٢٠٠٨

دخان

يوم جديد
لم يا هاجر أصبحت رحيما؟
والحنان الجم والرقة فيما؟
لم تسقيني من شهد الرضا
وتلاقيني عطوفا وكريما؟
كل شيء صار مرا في فمي
عندما أصبحت بالدنيا عليما
اّه من يأخذ عمري كله
ويعيد الطفل والجهل القديما؟!0
شعر00ابراهيم ناجي

لم يكن الا مشهدا مألوفا لرواد المقهى حين أقبل الأصدقاء الثلاثة بضحكاتهم العالية وجلبتهم المعتادة ، طارق بجسده البدين ووجهه الأسمر وصوته الأجش المميز مع أيمن ذي القامة الطويلة والبشرة القمحية وعلاء النحيل بشاربه ولحيته الصغيرة يدلفون الى مقهاهم الأثير أو لنقل مقهاهم الذي فضلوه على غيره لأنه أقرب مكانا وأرخص أسعارا0كانت السادسة مساء حين وصلوا الى الملجأ كما يحبون تسميته وألقوا التحية على الحاج راشد صاحب المقهى ثم جلسوا على طاولتهم المعتادةقرب الركن00لحظات وضع فيها أسامة الشاي على الطاولة المجاورة ثم ذهب اليهم وصافحهم00لم يكن أسامة سوى صديقهم الذي بدأ يعمل في المقهى منذ أسبوع00حمل شيشة التفاح الى طارق والأخير يمازحه بلهجة اّمرة :ضع الفحم جيدا ياغلام !
لوّح أسامة بماسك الفحم مقربا اياه من وجه طارق الذي صاح ضاحكا-وهو يتفادى اللهب-:أيها المجنون!0
ثم أردف:هكذا اذن!تريد أن تحرق وجهي؟ كنت أحمل لك خبرا سارا ولكنك لا تستحقه00
أسامة:أي خبر؟
طارق :كم ستدفع؟
علاء:أنا سأخبرك00هناك شركة أغذية تطلب حاملي بكالوريوس تجارة0
أسامة :وكم يكون الراتب الشهري؟
طارق:لا أعرف تحديدا ولكنهم يقولون انه راتب مغر
تدخل أيمن ضاحكا:أعرف هذه الرواتب المغرية00انها غالبا لا تكفي أجرا للمواصلات
علاء:قدم أوراقك ولن تخسر شيئا
أسامة:أنا لا أملك شيئا لأخسره من الأصل
ثم تركهم أسامة بعد نداء غاضب من الحاج راشد
أيمن:سوف أقضي الليلة لديك يا طارق0
طارق:عدت للشجار مع والدك؟
أيمن:ماذا بيدي أن أفعل؟كلما زاد وجودنا معا زادت أسباب الشجار00أحاول أن أتجنبه فأغلق غرفتي علي وأقضي النهار أمام الحاسوب والتلفاز حتى ألقاكم ليلا00لكن هذا لم يعد يجدي نفعا
علاء:أنت أيضا أصبحت عصبيا يا أيمن
أيمن:ربما00لكن البيت أصبح مملا ويبعث على الكاّبة
طارق(بابتسامة):لا بأس سوف نقضي ليلة تنسيك أي ملل أو كاّبة
ثم التفت الى علاء وأضاف:فلتقض الليلة معنا يا علاء ألم تتشاجر مع أحد أنت أيضا؟
علاء:ليس بعد 00لكنه سيحدث عما قريب0
أيمن:ماذا تقصد؟
علاء:يبدو أنني سأترك مىّ00
طارق:لماذا؟
علاء:لا أعرف تحديدا ولكنني لم أعد أشعر معها بالراحة 0
أيمن:هكذا دون مقدمات ؟
علاء:بل هو شعور لديّ منذ فترة00أحس أنها أصبحت عبئا عليّ أكثر منها مصدر سعادة0
أيمن:هذا أمر طبيعي بسبب متطلبات الزواج المهم أنك تحبها
علاء-بعد لحظة صمت-:أصبحت أشك في هذا الأمر أيضا
طارق:قلت لك من قبل ان الوقت المناسب لم يحن بعد للارتباط
علاء:لقد جاوزت 29 عاما الوقت المناسب هو الأربعون في نظرك؟
أخذ طارق نفسا عميقا من الشيشة ثم قال:الوقت المناسب هو عندما تكون جاهزا للزواج00هل ترى نفسك جاهزا الاّن؟
توقف ثلاثتهم عن الحديث وأخذوا يقطعون الوقت في لعب الطاولة وتبادل حديث عابر عن أخبار الكرة حتى أقبل أسامة بعد أن حانت ساعة مغادرته حاملا كرسيا ليجلس الى جوارهم00
أسامة:أستاذ طارق بصفتك خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 00
ثم أضاف باسما:ترى ما تحليلك للانتخابات الأخيرة؟
ابتسم طارق ثم قطّب ملامحه متصنعا الجد واعتدل في جلسته وقال بهدوء:
في الواقع00انه وسط هذا العالم المليء بالتحديات ، وما بين صراع الأيدلوجيات والأطروحات الفكرية المتباينة00أظن بعد رؤيتي لما حدث في الانتخابات أننا على مشارف مرحلة جديدة و(مفصلية)في تاريخنا المعاصر00انها مرحلة00مرحلة00السجائر!0
ثم ألقى (ليّ)الشيشة جانبا بحركة مسرحية وأخرج علبة سجائر من جيبه وبدأ يوزع منها على رفاقه وهم يتناولونها ضاحكين 00ثم نهضوا جميعا متوجهين الى منزل طارق وحولهم هالة كبيرة من الدخان حتى ان ملامحهم كادت تختفي داخلها0

ليست هناك تعليقات: