١٧‏/٢‏/٢٠٠٨

شارع مصطفى النحاس

يوم جديد
لا تسأليني بعد يومك كيف أيامي تسير؟
اني حداء ساخر بقوافل الزمن الكبير
لكن سأصبح اّهة ولهى مضيعة المصير
في صدر مصلوب شقي الموت مظلوم الضمير
فاذا سمعت صبابة غنى بها وتري الأخير
لا تتركيني بعدها أهوى السماء ولا أطير
اني شربت على يديك مع الهوى جزع الهجير!
شعر00محمود حسن اسماعيل
قصيدة00خمر الزوال

" تركت العمل!"

استقبل جدي الكلمات بأسف صامت ، ثم ربت على كتفيّ وقال بحنان:

"لا عليك00سوف يعوضك الله خيرا مما أخذ "

لم تكن أول مرة أترك فيها عملا ، تنقلت بين وظائف كثيرة لكنني لم أستمر في أي منها أكثر من أشهر00بعضها كان يدر عليّ دخلا جيدا لكنني لم أجد نفسي ولا وجدت النجاح الذي أشعر أنني أهل له 00كنت متفوقا في دراستي ولا يليق بي أن أكون فاشلا كما أنا الاّن0

جلست أحتسي الشاي واجما في شرفة المنزل00أقبل جدي وقد انتهى لتوّه من مكالمة هاتفية :

"عندي حل لمشكلتك"

قلت ببرود: " أي حل؟ "

" كنت أتحدث مع صديق قديم لي وقد عرض عليّ أن تعمل معه في المكتبة التي يملكها "

قلت : " وما يدريك أنه سيكون أفضل من غيره ؟"

" أنا واثق أن هذا العمل هو ما سيوصلك الى ما تتمناه"

لم أتحمس كثيرا لكنني وافقت نزولا على رغبة جدي وحتى لا أسبب له حرجا مع صديقه0

***

المكتبة كما وصف لي جدي في نهاية شارع مصطفى النحاس ، ولما لم تكن لديّ معرفة جيدة بمدينة نصر فكان سلاحي الوحيد هو أن أسأل المارة حتى أصل اليها0استوقفت أحد الشبان وسألته 00

"مصطفى النحاس؟ لا أعرف 00ربما عليك أن تسلك أول منعطف على اليسار"

لم يبد أنه يعرف طريقه أصلا ، لكنني سرت كما أشار وقادتني خطاي الى شارع يحتله عدد من سيارات الشرطة ، رفعت عيني لأجد قسم شرطة عن يميني ، اتجهت اليه وسألت أحد الأمناء00

" شارع مصطفى النحاس؟ لماذا تريد أن تذهب الى هناك ؟"

- "أريد الذهاب الى مكتبة (اشراق) "

-"سأدلك على الطريق الى المكتبة00يمكنك أن تسلك طريقا مختصرا غير شارع مصطفى النحاس هذا 00هل معك سجائر؟"

أخرجت علبة السجائر من جيبي و ناولته واحدة لكنه اخذ العلبة ودسّها في جيبه " شكرا"0

ثم ذهب وتحدث الى سائق احدى سيارات الشرطة أمام القسم ولم يلبث أن عاد اليّ قائلا :

" سوف توصلك السيارة الى هناك "

شكرته وركبت السيارة ولبثت فيها لفترة وهي تنعطف يمنة ويسرة وتتخذ طرقا جانبية أغلبها غير ممهد00توقفت فجأة وقال السائق:

"تفضل بالنزول"

نزلت من السيارة فلم أجد الا بضع بنايات تحت الانشاء ، سألت أحد العمال عن المكتبة فاجاب بأنه لا يعرفها00عدت للسائق:

"المكتبة ليست هنا "

- " وماذا استطيع أن أفعل لك ؟ لقد سرت كما وصف لي الأمين 00 ثم ان لديّ أعمالا أخرى سواك"

وتحرك بالسيارة مسرعا وسط ذهولي0

***

لم يكن في يدي الا أن أسير في اي اتجاه بحثا عن شخص يدلني ، مرت دقائق كأنها دهر وأنا أسير تحت شمس حارقة حتى وجدت سيارة أجرة فأسرعت بايقافها ودلفت اليها مباشرة، كان السائق رجلا في أواخر الأربعينات ذا لحية طويلة ويرتدي جلبابا أبيض قصيرا 00بادرته:

" أريد أن أذهب الى مكتبة اشراق هل تعرفها ؟"

- "بالطبع يا بنيّ 00انا أعرف كل شيء هنا "

" هي في نهاية شارع مصطفى النحاس ، أليس كذلك؟"

- صمت الرجل لحظة ثم قال " ربما00ولكن هناك طريقا أفضل"

" أرجوك00لقد سمعت هذا الكلام من قبل ولم ازد الا ضلالا "

- " قلت لك انني أعرفها" ثم أردف بعصبية:

" هل تظن أن رجلا مثلي يتقى الله سوف يخدعك ؟"

قالها وهو يشير الى لحيته فقلت :

" عفوا لم أقصد ذلك"

مضت السيارة في طريقها لربع ساعة أو تزيد ثم توقف السائق أمام مكتبة مكتوب على واجهتها : (مكتبة الهجرة)

قلت:" ليست هذه المكتبة التي أقصدها 00أنا أريد مكتبة (اشراق) "

- " هذه المكتبة الوحيدة في هذه المنطقة"

" لكنني ذاهب الى مكتبة (اشراق)00أوصلني الى شارع مصطفى النحاس اذن "
- " أنا لست ذاهبا الى هناك"
" وما ذنبي أنا ؟ قلت انك تعرف المكان ولم توصلني لشيء "
- " السيارات من خلفي تنتظر ولا وقت لهذه الثرثرة، أريد أجري"
"أي أجر؟ لقد ضللتني بدل أن توصلني "
" لا شأن لي بذلك ،هات النقود الاّن"
لم أملك أمام عصبيته وثورة سائق السيارة التوقفة خلفه والضجر الذي استبد بي الا أن أدفع النقود في يده بغضب وأتركه يمضي00بعدها عدت لسؤال المارة عن الشارع لكن أحدا لم يكن يعرفه0

ليست هناك تعليقات: