يوم جديد
لمﹶلمﹾ تعلمني السباحةﹶ
في البحارﹾ
لمﹶ لمﹾ تعلمني الحياةﹶ
بغير شمس أو نهارﹾ
والصبرﹸ..ياللصبر
حلم زائفﹼ
وهم يعذبنا
ومأوى..كالدمارﹾ
شعر..فاروق جويدة
قصيدة..السفر في الليالي المظلمة
ديوان..للأشواق عودة
أخرجني من شرودي بسؤاله :
*أليس هذا الأستاذ حلمى ؟
نظرت من شرفة السيارة حيث أشار نحو الرصيف عن اليمين ثم نظرت في المرﺁة غير أنني لم أره ..
*لن تراه اﻵن فقد تجاوزناه ..سأصف السيارة لأنزل اليه .
- من هو الأستاذ حلمي هذا ؟
*الأستاذ حلمي مدرس الرسم الذي كنت أتعلم لديه في المركز الثقافي بالدقي ..حين كنا في المرحلة الثانوية ..لقد جئت معي ذات مرة ألا تذكره ؟
- تريدني أن أتذكر رجلا رأيته مرة منذ عشر سنوات !
*احدى عشرة سنة .
- هذا أدعى لكي أتذكره ! المهم ..ماذا تريد منه اﻵن ؟
*سأسلّم عليه وحسب ..أفتقده كثيرا .
كي نجد مكانا شاغرا لترك السيارة تحركنا بها مسافة أدركت طولها حين عدناها سيرا على الأقدام ، ولما وصلنا الى المكان سألته:
- هل رأيته هنا ؟
*نعم ..لا أعرف أين ذهب !
قلت واجما :
- ربما استقل مواصلة أو ذهب الى أي مكان..
ثم أضفت بعد لحظة كان فيها صامتا :
-ربما من رأيته لم يكن هو من الأصل وكان أحدا يشبهه .
*لا ، أنا واثق أنه هو الأستاذ حلمي ..ربما دخل أحد المحال ..
قلت بضيق :
-لكننا بهذا سنتأخر على العمل ..
*لا تقلق ..هي دقائق معدودة .
أثار انتباهي حماسه وطريقته الطفولية في التشبث ، منذ فترة طويلة –ربما سنوات- لم أره بهذا الحماس لشيء ما ..اعتدت على (طارق ) ضجرا من كل شيء وميالا للصمت والشرود . أمام واجهات المحال وقفنا، وبدأ هو يتطلع داخلها من خلال الزجاج بحثا عن الرجل حتى جذبته من أمام أحدها وأنا أضحك :
-لا يمكن أن يكون هنا
*لماذا ؟
-لأنه متجر لملابس النساء !
كان هناك مقهى جال طارق بعينيه في الجالسين على مقاعده المواجهة للشارع ثم دخل وهو يقول :
- قد يكون في الداخل .
ثم عاد بعد دقيقة وهو ينظر اليّ بخيبة أمل وينظر اليه النادل باستياء ..أخيرا أقر بالواقع وراح أثناء عودتنا للسيارة يحدثني عن الرجل ويقول انه اقتنع بموهبته وذهب معه ليقنع والده الذي لم يكن متحمسا للأمر خشية أن يؤثر على دراسته ..
*عندما كنت أمسك بالفرشاة وأشرع في الرسم..لا أقول انني كنت دائما أشعر بالسعادة فكثيرا ما ضقت بلون أسأت اختياره أو فكرة لم تخرج بالصورة التي كنت أتخيلها ..لكن..لا أعرف كيف أصف لك ..لم يكن الوقت ثقيلا بهذا الشكل ولا كانت الهموم تحاصر يومي دون سبب..
كنت أسمعه باهتمام الى أن قطع حديثه فجأة وقال وهو يشير الى الجهة الأخرى من الطريق :
*ها هو !
في لمح البصر كان قد عبر الشارع الى الجزيرة الوسطى ثم عطله الزحام قليلا حتى عبر الى الجانب اﻵخر وأنا من خلفه أهرول حتى أمسكت بكتفه :
- أين هو ؟
*أظنه دخل الى السوق من هناك ..
قالها وهو يكمل سيره – أو ركضه – فصحت :
- واذن ؟ تريدنا أن نفتش السوق كلها بحثا عن هذا الرجل ؟
لم يرد عليّ فأضفت :
-الساعة جاوزت التاسعة ..ماذا يجبرنا على سماع كلمات سخيفة لا داعي لها من رئيس القسم ونحن بعد في أول اليوم ..يجب أن نذهب اﻵن .
*لن أذهب الى أي مكان قبل أن أجده ..قل لي أنت ماذا سيحدث لو غبت عن العمل اليوم ؟ سأغيب عن ختم الأوراق والتأكد من التمغات ؟ سيغيب توقيعي الكريم عن دفتر الحضور والانصراف ؟ سيخصم يوم من راتبي ؟ الراتب أصلا لا يكفيني عشرة أيام ماذا يضير لو نقص منه شيء ؟
نظرت له صامتا ثم قلت بعد زفرة طويلة :
-وماذا سيحدث ان وجدت هذا الرجل ؟
*لا أعرف لكنني بحاجة اليه .
ثم أكمل بعد لحظة :
*صدقني لن يشعر أحد بغيابي كما لا يشعرون بوجودي ..اذهب أنت ان شئت ..هاك مفاتيح السيارة.
قلت وأنا أرد يده :
-ماذا كان يرتدي الأستاذ حلمي هذا ؟
***
كما توقعت ..كان البحث عن رجل بسترة رمادية و(بنطال أسود على الأغلب) كما قال (طارق ) وسط الناس الذين يروحون ويجيئون في السوق كالنمل – فكرة ساذجة وفاشلة ..قال وعلى وجهه أمارات الخيبة :
*لا أعرف أين ذهب !
-هل رأيت ملامحه بوضوح ؟ أقصد أن المسافة كانت بعيدة وربما ..
قاطعني :
*قلت لك أنا واثق من هويته ..أشعر أنه قريب ..هذا الرجل لم يكن فقط يعلمني الفن بل كان لي أبا وصديقا ..كنت أزوره في المركز من حين ﻵخر خاصة حين أكون مهموما .. لكن منذ 4 سنوات عرفت أنه ترك المركز وعاد الى الاسماعيلية حيث كان يسكن من قبل ..
- لا بأس ..
قلتها ثم سرنا قليلا دون هدف حتى قال (طارق):
*قد يكون في هذه المكتبة ..هو مولع بالقراءة.
دفعنا الباب وبادر هو الشاب الجالس خلف مكتب بالسؤال :
*لو سمحت ..هل أتى اليك رجل يرتدي سترة رمادية وبنطالا ..أسود ؟
فظهر على الشاب بعض التعجب ثم أجاب بعد أن أطرق قليلا :
- يجوز ..لا أنتبه عادة لما يرتدي الزبائن .
* هو رجل في أواخر الأربعينات .. متوسط الطول ويميل الى البدانة ويرتدي نظارة طبية ذات سلسلة ..
-تقصد الأستاذ حلمي سعيد ؟
*نعم ..هل تعرفه ؟
- الأستاذ حلمي زبون قديم يأتي الينا كلما جاء الى القاهرة وقد كان هنا وغادر منذ نحو ربع ساعة .
*أنا أعرفه منذ زمن وأبحث عنه منذ عاد الى الاسماعيلية ..هل تعرف أين ذهب ؟
-في الحقيقة ..لا أعرف.
*اذن هل تعرف رقم هاتفه ؟
هز الشاب رأسه نفيا فسألته :
-ولا عنوانه بالاسماعيلية ؟
- للأسف لا .. لكنه قال انه سيذهب الليلة الى أحد المعارض الفنية .
شكرته وانصرفنا وسألت صديقي ونحن نتجاوز المكان :
-هل تعرف أي معارض تقام هذه الأيام ؟
رد وهو يهز رأسه أسفا :
*لم أعد أتابع المعارض الفنية منذ فترة بعيدة .
قلت – وقد أصبحت متحمسا لا أدري أكان ذلك مشاركة لصديقي المقرب أم رغبة داخلي في التعرف على الأستاذ حلمي لكن شعرت أن حال طارق قد يختلف كليا ان وجدناه - :
-لكنه ليس صعبا علينا أن نعرف ..وعموما فقد عرفنا المكتبة التي يتردد عليها وسوف تهدينا اليه ..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (٢):
عندما أنتهيت من قراءة القصة أعتقدت أنني سأجد الكثير من الردود عليها التي تحللها لكن أذهلني أن أكون أنا أول من يعلق عليها. أين المعلقين المحللين؟
القصة تستحق تحليل مفصل فأعذرني على أكتفائي بقول أنها رائعه.
الصديقة صمت المكان * صخب الكلام
أسعدتني جدا زيارتك وتعليقك ..لا داعي للذهول فلا أحد يعلق على ما أكتبه الا في القليل النادر- لولا عدد الزوار لتصورت أنني القارئ الوحيد ! - لكن الكتابة في المنتدى تحسن الأمر كثيرا ..جميل ان القصة اعجبتك ..
وشرفت المدونة.
إرسال تعليق