١٥‏/٧‏/٢٠٠٩

نجمة الغرفة الخاوية

يوم جديد
لا تتبعيني كفاني خطو مبتئس ٍ
أو تسبقيني كفاني نأي مبتعد ﹺ

شعر..فاروق شوشة
قصيدة..كلاسيكية
ديوان..لغة من دم العاشقين

كنت في حال غريبة من الصفاء ، لا أعرف ﺇن كان سببها نفحات النسيم الباردة التي أتى بها الليل بعد نهار قائظ ، أم لأن عجلة الايام بدأت تسرع الدوران ، وصورة الجرح تبتعد ، وصرت أستطيع أن أرى الأمر كله بشكل أهدأ وأعقل . سيطرت عليّ رغبة في الحكي ، في أن ألقي بكل شيء بين يدي صديقي المقرب ، لا طلبا لرأي أو مشورة فالأمر قد قضي بالفعل ، لكن لأستعيد ما جرى وأنظر ﺇليه مكتملا منذ بدايته الأولى وحتى النهاية . من أين أبدأ ؟ ليكن منذ أن هاتفني مديري وطلب أن أذهب ﺇلى أحد الفنادق برفقة (رياض) – مسئول شركة الدعاية واﻹعلان التي نتعامل معها – كي نقابلها . علا سليمان ؟ الممثلة ؟! سألته وأنا غير مصدق . حسدني مازحا على هذه السهرة ، وقال – وسط ضحكه - ﺇنه لولا السفر لما فوت فرصة كهذه . نبهني ألا يأخذني جمالها فأقبل بشروطها في العقد وأن العمل هو العمل . أغلقت الهاتف ولم يزل ذهولي . ثم عدت بالذاكرة قليلا ، فتذكرت أحاديث جرت في أروقة الشركة عن النية في حملة ﺇعلانية ضخمة يقوم بها نجم أو نجمة من المشاهير . طرح اسمها ضمن آخرين وأخريات . لكن أن يتم الاتفاق معها ، وأن أقوم أنا بذلك ، فهو شيء لم يخطر لي على بال . شيء أقرب ﺇلى حلم ، أو بمعنى أصح تحقيق حلم قائم منذ سنوات . أظن هنا البداية الحقيقية . حين شاهدتها لأول مرة في فيلم تؤدي دورا صغيرا لا يتعدى ثلاثة مشاهد . أخذني وجهها منذ اللحظة الأولى . احتل الصورة بأكملها . بحثت عن اسمها في التتر . قرأته في مقال الناقد مشيرا ﺇليها بالوجه الجديد المبشر . بعد ذلك شاهدتها في مسلسل تلفزيوني ، وفيلم آخر . ليست مجرد فتاة جميلة . شيء غريب كان يشدني نحوها ويشعرني بالسعادة ما أن أراها . لمع نجمها سريعا . بعد سنتين صارت بطلة . أول مرة رأيت فيها ﺇعلان الفيلم في الشوارع وصورتها تزينه كنت في طريقي ﺇلى الشركة . أخبروني أنني نجحت واخترت للوظيفة من بين المتقدمين ، وأن ما انتظرته طويلا قد تحقق . قلت يومها ﺇننا مرتبطان . فكرت أننا سوف نجتمع يوما ، لكن هذا لم يقلل من دهشتي حين حدث بالفعل !
لا أذكر ما حدث بعد مكالمة مديري . لابد أنني ارتديت بذلتي .. تعطرت ..فكرت ..فرحت..ارتبكت..لا أذكر ﺇلا وأنا أراها عن بعد ، جالسة تداعب طفلة صغيرة مع والدتها وتكتب لها شيئا . شعور غريب أن ترى على الطبيعة ما اعتدت أن تراه في الصور أو على الشاشة . كأنك تعرفه ولا تعرفه . صافحتها وتمتمت بعبارة ترحيب وجلسنا . بادر رياض بكلام مجامل لبق ، وأنا صامت . حتى ذوبت هي الجليد بكلامها العفوي وابتسامتها العذبة فكأنني أعرفها منذ سنوات . كأنني ؟! ألا أعرفها بالفعل ؟ كيف وصورتها جوار فراشي هي آخر ما أراه قبل النوم ، وأول ما أفتح عيني عليه في الصباح ؟ لا يؤنسني سواها منذ أن صرت أعيش وحدي تاركا أهلي في بلدتنا . رافقتني في أمسيات الفراغ والأرق . ملأت مخيلتي في ليالي تأجج الرغبة وفورة الجسد . هونت عليّ تسلط الأوامر ودسائس الزملاء . كنت أنظر ﺇليها ، وأغمض عيني وأذهب بخيالي بعيدا عن كل شيء . بعد هذا اللقاء بدأت الاتصالات واللقاءات تتوالى ، والحديث يخرج عن نطاق العمل ، ويمتد لنتحدث عنها وعن نفسي وعن كل شيء آخر . كلمتها عن الفيلم الأول . قلت ﺇنني توقعت نجوميتها من خلاله . اندهشتﹾ أنني أتذكر دورها فيه . حدثتني عن حبها للنوم الطويل ، عن عدم هنائها به في ساعات العمل ، عن عشقها للسفر والرحلات . لم أقل لها ﺇنني لا أحب السفر . تركتها تسترسل مستمتعا بألفة رأيتها في عينيها تجاهي . قضينا يومين رائعين في الغردقة في تصوير اﻹعلان الأول . لأول مرة شاهدتها من خلف الكاميرا . كان شيئا غريبا . ﺇضاءة .. عمال في كل مكان ..لقطات تؤديها وتعيدها مرات بنفس الطريقة ..حين سألتﹾ عن رأيي قلت ﺇنها رائعة . أضفت بابتسامة أن الفستان لو كان أكثر احتشاما لكان أجمل . ضحكتﹾ . صرنا نلتقي كلما سنحت لها فرصة . كنت أضيق بالناس الذين يطلبون توقيعها ويأخذون معها الصور . طوال عمري أكره أن أكون محطا للأنظار . أصبحت محطا للحسد أيضا . مع هذا فقد كنت حتى هذا الوقت سعيدا ، سعيدا جدا . لكن لا شيء يدوم . متى حدث التغير ؟ لا أعرف بالتحديد . أظنه بدأ عندما قرأتﹸ خبرا في مجلة عن علاقة تجمع النجمة الشهيرة بشخص من خارج الوسط الفني ، شوهدا معا في عدة أماكن عامة . أغضبني الخبر مع أنه حقيقي . صرت أشرد وهي تتكلم. أستثقل الوقت . أتلفت حولي . أرى هؤلاء المعجبين يقتسمون الوقت الضئيل الذي تقضيه معي ، ويأخذون أكثر من نصيبي . أتى صوتها عبر الهاتف بعد غياب أيام . بادرتها : أين أنت ؟ قالت : في فرنسا . هتفتﹸ: ما أبعدك ! كانت تحضر مهرجانا يعرض فيه فيلمها . عادت ﺇليّ بساعة أنيقة . أرتني عقدا وقرطا اشترتهما من بيت مجوهرات شهير هناك . تذكرت حليّ أمي - رحمها الله - التي باعتها من أجلي لأستكمل ثمن شقتي . قرطها الذهبي الذي اشترته من الصائغ المقابل لبيتنا ، ومازلت أحتفظ به في خزانتي . تساءلتﹸ : أي بيت يمكنه أن يجمع هؤلاء معا ؟ قالت ﺇن فوارق المال لا تعني لها شيئا . أجبت بأن الأمور لا تتوقف عليها وحدها. بدأت أشعر بانعدام الوزن . حاولت أن أستعيد هدوء تفكيري دون ضغوط . أتجاهل اتصالاتها . أحدثها في آخر اليوم باقتضاب وأتعلل بضغط العمل . أفتح التلفاز لأجدها . يهمس البطل في أذنها . تضحك . يطوقها . يقبلها . أحترق . تتوالى المشاهد . الكاميرا تتبع تفاصيل جسدها ببطء ، والرداء يكشف عن فتنة تأسر العيون . أتخيل كل هذه العيون تحدق فيها . أتخيلها تلتقي بعيني . أغلق التلفاز . صحيح أنها نادرا ما تؤدي أدوار ﺇغراء ، لكن دورا واحدا ..مشهدا واحدا سوف يبقى ويعاد عرضه ﺇلى الأبد . تشعر بتباعدي . تأخذها كرامة الأنثى فتبتعد . أو هي كبرياء النجمة ربما . مجرد نظرة ﺇلى وجهها كانت تعيدني . . صرنا نقترب ونبتعد كالمتأرجحين . قررتﹾ أن تحسم الأمور ، أن نعلن ارتباطنا رسميا . ضربتﹾ موعدا أعطيها فيه ردي الأخير . فكرتﹸ. ترددتﹸ . في داخلي صوت يقول : لن تجد سعادتك . آخر يصرخ : كيف يسعى ﺇليك حلمك فتدير له ظهرك ؟ ارتديت ثيابي . ثم جلست ولم أغادر البيت . دق جرس الهاتف . رأيت رقمها مرارا ولم أرد . سكت . مرت بضعة أيام من الصمت ، ثم اتصلت بها واعتذرت . قلت ﺇننا لن نجد سعادتنا معا . أبلغت مديري أن يكلف غيري بأمر اﻹعلانات .
سكتّ . نطق صديقي أخيرا :
-شيء غريب . كلنا نحب النجوم . لكن أن تكون في السماء فهو مخيف جدا . مجرد النظر ﺇلى الأرض يصيبك بالدوار .
-الأغرب أنني عدت أحلم بها كما كنت في السابق . أنسى مع تخيلها كل شيء . حتى أنني أعدت الصورة ﺇلى مكانها بجوار الفراش .
-لماذا ؟
-لا أدري ..لكن الغرفة في وجودها أجمل .

هناك ٤ تعليقات:

يا مراكبي يقول...

النهاية التي اخترتها انت للقصة هنا تبدو منطقية جدا وفقا للمعطيات التي امتلأت بها القصة عن شخصية البطل .. فهو ذو طبيعة ليست بالجرأة والكياسة التي تجعل منه شخصية متفهمة لوضع الارتباط بمن هم اكثر منا شهرة وللجمهور فيهم حقوق مثل البطل تماما .. فالشهرة والأضواء والأموال لها ضريبة وكان لابد للبطل هنا أن يدفعها .. لكنه لا يستطيع ذلك ولو يتحمل ذلك .. فحسنا فعل بابتعاده

النص به ايقاع سريع وقفزات وخصوصا في الجزء الخاص بنشأة الحب بينهما .. كنت تحتاج الى تفصيل اكثر لأنني كقارئ تفاجئت بنشأة الحب بينهما ولم أتفهم ذلك للوهلة الأولى

أحييك

أحمد فياض يقول...

المراكبي العزيز
أسعدتني قراءتك كثيرا ..بالفعل لكل منهما عالمه..
الايقاع قصدت أن يكون سريعا لكن أحترم رأيك في الحاجة الى مزيد من التفاصيل
تحياتي لك

هيثم الشيمى يقول...

حين يغيب عنك فيض فياض فعليك أن تسعى ورائه . مرحباً بك يا أحمد . دعنى أبدأ من حيث انتهيت أنت " لكل منهما عالمه "
لى تساءل أود أن أطرحه لم اتهم البطل من الأستاذ " يا مراكبى " بعدم الجرأة لعدم تقبله للممثلة كما هى !! ألا يحق له أن يرى العامل كما اعتاده دوت أن يكون ( غير جرىء) !! ولم يطلب منه أن يتقبل أفكارها ولايطلب منها أن تتقبل أفكاره !!بعض النقاط كانت غيرة غير مبررة فى غيرته من المعجبين فى لحظة التوقيع فذلك قد يحدث مع داعية لامع أو طبيبة لامعة تظهر على التلفاز ، أما الجزء الخاص بغيرته من ملابسها أو احتضان الأغراب لها فأرى هذا من حقه . وأتسائل هل من الفطرة أن يرى شخص زوجته فى حضن غريب وعليه أن يتقبل ذلك !!


أما عن النص

أتفق مع الأستاذ فى أن لحظة حدوث الحب مبهبمة ، فقد تحدثت عن أشياء تقع بين الأصدقاء أحياناً وتركت لى أن أستلهم أنه حب وهذا مالم يحدث ، فقد تفاجأت بقرار الزواج رغم كل ماكتبت ، وتفاجأت أيضاً لإنتظارها لذلك الخبر ...
ولكن أجمل ما فى العمل سلاسته كما لا أرى أن سرعة ايقاع العمل أمر سىء فقد ساعد ذلك على بعد العمل عن الملل ولا أرغب دائماً فى أن أنام بينما أقرأ عمل ...:)
تحياتى

أحمد فياض يقول...

أهلا بك أخي هيثم
بالنسبة لسؤالك : من حق البطل أن يعيش حياته كما يحب وكما تعود ، وعدم تقبله لحياة البطلة النجمة لا أراه شيئا يستحق اللوم فالانسان حر في اختياراته ..
بالنسبة لموقفه من المعجبين فالمسألة ليست رفضا لهم ، ولكن لأن ظروف عمل البطلة تجعل لقاءاتهما قليلة فهو يريد أن تكون له في هذا الوقت لا أن يأخذه الاخرون ، كما أنه ليس كل الناس يحبون الشهرة والاحاطة بنظرات الاخرين .
أنت أيضا فوجئت بقصة الحب ؟ حسنا ربما تكون على حق ..وان كنت أرى أن البطل وهو راوي القصة كان يشعر بهذا الحب من قبل اللقاء ، وما كان التعارف الا اطلاقه من خياله الى الواقع
سعدت جدا بكلماتك التي توغلت لأعماق القصة..
كل عام وأنت بخير