٢٣‏/٣‏/٢٠٠٨

يحوّل نفسية

يوم جديد
جهل الناس روحه وأغانيها
فساموا شعوره سوم بخس
فهو في مذهب الحياة نبيء
وهو في شعبه مصاب بمس !
شعر..أبو القاسم الشابي
قصيدة..النبي المجهول

حدث لي هذا قبل ثلاث سنوات..
بحسبة بسيطة -أو معقدة- وجدت أنه من غير الممكن أن أحصّل المواد الأربع المقررة في الأيام الخمسة والأربعين المتبقية على امتحان اّخر العام ..لذلك قررت أن أؤجل احداها واستقر رأيي على الكيمياء الحيوية (1)..كانت أول مرة أقدم طلب تأجيل ولم أكن أعرف الاجراءات ، ذهبت الى غرفة شئون الطلبة وهناك أعطتني الموظفة استمارة لأملأها ، كان نص الطلب المكتوب:
أرجو تأجيل امتحان الدور الأول في مواد......
وذلك لمرضي...
كتبت بياناتي واسم المادة ثم ناولتها الورقة فأشارت الى السطر الأخير قائلة:
- "اكتب هنا : النفسي "
-"عفوا؟"
-"النفسي..بعد كلمة (مرضي)"
لم أفهم المعنى ولكنني كتبت ثم كتبت هي في الورقة:
"يحوّل نفسية "
نظرت لها مستفهما فأشارت الىّ أن :انتهى الأمر ..غادرت ولم ألق بالا .

***
خارجا من أحد الامتحانات وقفت مع زملائي نتبادل الحديث-كان امتحان الكيمياء الحيوية قد مرّ ولم ادخله بالطبع-قال أحدهم انه سيتركنا ليذهب الى مركز الطب النفسي -التابع للكلية-من أجل اتمام التأجيل.. قلت :
"وما علاقة التأجيل بالطب النفسي؟"
* "ألم تؤجل الكيمياء الحيوية ؟"
- " بلى"
* "ألم تقم بالكشف الطبي هناك ؟"
- "أي كشف؟"
قال ضاحكا :" وهل كنت تظن أنك تكتب ورقة ثم ينتهي الأمر هكذا ؟! "
في الطريق شرح لي أنه لكي أؤجل امتحاني يجب أن يكون لديّ عذر مرضي ، فان لم يكن يكتب في الأوراق أن لديّ مرضا نفسيا منعني من دخول الامتحان ويوقّع عليّ الكشف الطبي بمركز الطب النفسي ..كنت مندهشا من الأمر كله ومن أن موظفة شئون الطلبة لم تخبرني أنه عليّ التوجه للكشف ..
-" لولا المصادفة لاعتبرت غائبا عن الامتحان ورسبت "

***
راعني المشهد أول ما اجتزت بوابة مركز الطب النفسي - وكنت أدخله للمرة الأولى - حشد هائل من الطلاب يقفون متزاحمين ومتململين في جو صيفي حارق وخانق ..
- " كل هؤلاء في انتظار الكشف ؟ "
* " ادع الله ألا تتأخر الطبيبة "
كانت محبطة جدا اجابات صديقي عن أسئلتي المتوالية :
* طبيبة واحدة هي من تقوم بالكشف
* تأتي يومين فقط في الأسبوع
* ليست لها ساعة محددة ..
وقفنا وسط الزحام وتحت لفح الشمس منتظرين الفرج..فجأة وجدت الحشد يتحرك في سرعة فوضوية ليلتفوا حول سيدة تنزل من سيارتها ..بدا لي منظرها أقرب لنجوم السينما الذين يتزاحم عليهم الناس لمصافحتهم وأخذ توقيعهم ..طبعا لم يكن الأمر ليتم بهذه الصورة فقررت الطبيبة أنها لن توقّع على أية أوراق الا في المدرج ..
تحرك (الموكب) الى المدرج واتخذت مقعدي الى جوار صديقي .. بدأ كل طالب في التحرك حيث تملأ الطبيبة بعض البيانات وتتحدث اليه ببضع كلمات ثم يغادر..
كانت قد مرت ثلاث ساعات أو تزيد عندما حان دوري ووقفت أمامها لتسألني :
" لماذا أجلت امتحانك "
أجبت " لم أكن جاهزا وخفت ألا أجيب بشكل جيد "
كتبت كلمات في ورقة أمامها أظن من بينها (قلق) أو (خوف) لا أذكر تحديدا ..كل ما أذكره أنها بذلك تيقنت من (مرضي النفسي) الذي منعني من دخول الامتحان - الذي كان قد مر عليه أسبوع - ..خرجت وأنا أتنفس الصعداء مشفقا على بقية (المرضى النفسيين) الذين لا يزالون في انتظار دورهم ..
أتذكر الاّن كلمات د.أحمد عكاشة الطبيب النفسي الشهير حين قال ان نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية يمثلون فقط 0.5%من مجمل المرضى أما الباقون 99.5 % فهم يعيشون بيننا ولا أحد يشعر بهم ..بالفعل الكثيرون في هذا المكان في حاجة لأن (يحولوا نفسية)

.....................
(1) يسمح نظام الكلية بتأجيل امتحان الدور الأول على أن يمتحن الطالب في دور سبتمبر ويحصل على درجاته كاملة
ملحوظة: تغير هذا النظام فيما بعد وأصبح التأجيل مسموحا به دون عذر مرضي..مجرد كتابة الطلب ودفع الرسوم ينهي الأمر..لا أعرف كيف كان سيبدو الوضع لو أن النظام لم يتغير وعلمت به هيئة الاعتماد ..أظن (كافيتريا الاعتماد )ستكون الملاذ الوحيد في هذه الحالة..

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

يبقى انتا اكيييد اكييييد في مصر
الروتيييييييييييييين مرض ابدي في مصر

صدق الدكتور عكاشة والله

و العسيلي كمان هههههه

أحمد فياض يقول...

صحيح والله يا بدر..يارب نتخلص من المرض ده..
شكرا على تعليقك يا صديقي