يوم جديد
ألحّ عليه النزف حتى أحاله
الى صفرة الجوديّ عن حمرة الورد
فيالك من نفس تساقط أنفسا
تساقط در من نظام بلا عقد
شعر ابن الرومي
من قصيدة في رثاء ولده
كانت ساعته تشير الى الثانية عشرة والربع حين أوقف سيارة أجرة عائدا الى البيت ، لم يكن معتادا أن يخرج في هذا الوقت اذ ينتهي عمله في الرابعة كل يوم ولكن اليوم لا رغبة له في العمل00تعلل بالتعب واستأذن في الانصراف مبكرا00استرخى قليلا في المقعد وشرد مستعيدا ما حدث منذ أن استيقظ من نومه بعد السابعة 00ارتدى ملابسه مسرعا ولم يتناول افطاره مكتفيا بقليل من الشاي على عجل00كاد يفتح الباب لولا أن تذكر شيئا فذهب الى زوجته الراقدة في غرفة الابنة-وكانت قد تركت غرفتهما منذ أسبوع بعد خلافهما الأخير -
" لا تنسي ان تتصلي بالرجل لاصلاح الصنبور"
* " لن أنسى"
قالتها بفتور دون أن تنظر اليه وتقلبت في الفراش عائدة الى النوم00
استدعاه مديره بعد ساعة من وصوله، وحدثه عن بعض العقود التي عليه ان يعمل لابرامها مع عملاء جدد وعن تجديدات ينوي اجراءها في أسلوب العمل00قال له قبل أن يغادر:
* " عليك أن تركّز اكثر من ذلك00لم يعجبني أداؤك في الصفقة الأخيرة مع شركة الأسمنت "
بهت للحظة ثم ازدرد لعابه وقال بضيق حاول كتمانه :
" أنا أبذل قصارى جهدي يا سيدي، وما حدث في الصفقة الأخيرة لم يكن خطئي"
تجاهله المدير ثم أشار بيده منهيا الحديث :
" قلت لك ما عندي، عد الى عملك الاّن"
لماذا يصر هذا الرجل على استفزازه؟! ، يؤدي عمله على الوجه الأمثل ويحقق نجاحات واضحة لكنه لا يزال يضايقه بين حين واّخر بملاحظات مزعجة او انتقادات متوارية دون سبب00
هزه السائق فالتفت ليجده يمد يده اليه بسيجارة
* " تفضل"
-" شكرا 00لا أدخن"
* "تبدو غاضبا00هل لديك مشكلة"
كاد ينفي00لكن شيئا ما دفعه لأن يبوح بكل ما في صدره00
قال السائق :
"لكنني فهمت أن لك منصبا مهما بالشركة وتتقاضى راتبا جيدا، أليس كذلك؟"
-"بلى، ولكنني ضقت بالاستفزازات المتكررة وعدم تقدير ما أبذل من جهد00أريد أن أترك هذا المكان "
* " الأمر لا يستحق ذلك ، ثم انك لا تضمن ان تجد مكانا اّخر ليس فيه من يضايقك "
اكتفى بهز رأسه وهو يسمع كلاما سبق أن سمعه من أصدقائه ومن زوجته ولم يكن يقدم له حلا للمشكلة00فقط يزيده ضيقا وغيظا، ثم زاد الأمر سوءا حين استرسل السائق يحكي عما يواجهه من متاعب من المرور والركاب والزحام 00
*" يا أستاذ انا أعاني الأمرّين منذ طلوع الشمس وحتى أعود منهكا في اّخر الليل لكن ماذا بيدي أن أفعل؟ مهنتي التي لا أعرف سواها وفي النهاية كل شيء يمر"
كان يسمع بلا اهتمام وان تفرس في ملامح الرجل السمراء وشاربه الكث احيان متصنعا الانصات00علق في النهاية00
"حقا كل شيء يمر00"
***
أغلق الباب من خلفه ودلف مباشرة الى دورة المياه ليغسل وجهه ، ثارت أعصابه حين وجد قطرات المياه لا تزال تتساقط من الصنبور كما تركها ، دخل الى المطبخ وقال لزوجته التي كانت تعد الطعام :
-" ألم يأت أحد لاصلاح الصنبور؟"
* " بل جاء ولكن لم يتمكن من اصلاحه00قال انه يجب تكسير الجدار وتغيير انابيب المياه الداخلية"
-" واذن؟"
* "لا داعى لكل هذا العناء سنترك الأمور كما هي"
-" والهدر؟"
*"لا يهم انه لا يغرق المكان"
-" لايهم! طبعا00 متى كنت تهتمين بأي شيء أصلا؟"
*"الأمر تافه ولا يستحق هذه الثورة"
-قال بغضب:"لا تريدينني أن أثور وأنا أشاهد المياه تتساقط أمام عينيّ بهذا الشكل؟"
*" هل سأكون المخطئة في هذا الأمر أيضا؟"
زفر ضائقا وأشاح بوجهه عنها فأكملت بصوت غاضب:
*" هل عدت من عملك مبكرا كي تحرق أعصابي؟ أحترق في أعمال البيت وتربية ابنتك وأنت لا شيء يرضيك ولا أسمع منك سوى الشكوى00
(أنت لا تفهمينني00لا تقدّرين مشاعري00أنا لا أشعر أن لديّ زوجة)
ماذا تريد مني أن أفعل؟"
-"لا أريد شيئا منك 00لقد تعبت من الشجار والغضب والوحدة التي أشعر بها في هذا البيت00اّن الأوان أن ينتهي الأمر كله"
ثم أضاف ثائرا
"يجب أن أنهي الأمر كله"
اختلط صوته بجرس الباب 00ذهب وفتحه بعنف ليجد ابنته في ثيابها المدرسية حاملة حقيبتها00ما أن رأته حتى صاحت في فرح
"أبى!عدت من العمل؟"
ألقت بنفسها بين ذراعيه فاحتضنها بوجه أحمر وأنفاس متلاحقة00كان يشعر ان داخله بركانا على وشك الانفجارأو أنه موثوق ولا يستطيع فك قيوده ،فرت من بين ذراعيه وفتحت حقيبتها مخرجة قطعة من الشوكولاتة
"هذه لك"
قالتها ضاحكة فأخذها وبادلها الابتسام رغما عنه ثم قبّل وجنتيها وضمها اليه بقوة للحظات00كان لديه شعور يلح عليه أن يفعل شيئا يتوق له منذ زمن طويل جدا00أن يبكي00
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق