١٥‏/٤‏/٢٠٠٨

الرثاء

يوم جديد
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفله ؟
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبة لأبي
يدللها كطفلته..
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها ويطعمها
ويغمرها برحمته
ومات أبي
ومازالت..
تعيش بحلم عودته
شعر..نزار قباني
قصيدة..خمس رسائل الى أمي
ديوان..الرسم بالكلمات


" كأنه الأمس حين كنت واقفا ﹰ في السرادق أتلقى العزاء.. ذاهلا وشاردا أسمع صوت تلاوة القرﺁن كأنه يخرج من أعماق سحيقة ويتردد صداه من حولي في كل اتجاه ، ويصافحني المعزّون فأشكر سعيهم دون أن أسمع منهم شيئا كأن شخصا ﺁخر يرد عني..هل مرت ثلاث سنوات حقـﴼ ؟ فلماذا لا تزال لذعة الألم تضربني بسياطها وتأخذ القلب بين حين وﺁخر من حزنه الصامت وشجنه الهادئ الشفاف ؟ "
أمسك بالورقة وأخذ يعيد قراءة ما كتبه معدلا في صياغته أحيانا أو راضيا عنها في أحيان أخرى ، ثم بدأ يرتب أفكاره وينتقي كلماته التي سوف يرسلها الى الجريدة كي تنشر في صفحة (الأعزاء لا يرحلون)..منذ فترة يقرأ الصفحة بانتظام ويتأثر بما يكتبه القراء عن أهليهم وأصقائهم المقربين الذين رحلوا عن الدنيا ..ولكنه حين قرأ لتلك الفتاة التي كتبت تنعي أباها منذ يومين وشعر هذا الاختلاج في نفسه وهو يطالع كلماتها وأحس حزنا غريبا على رحيل رجل لم يكن قد عرفه يوما- قرر أن يكتب هو اﻵخر..
" لم ترحل يا أبي بل تساميت ، لا تزال روحك معي أشعر بها كلما دخلت البيت أو رأيت شيئا من أشيائك، لا تبخل عليّ بزيارتي في منامي فأراك في ثيابك البيضاء تضحك لي وتربت على كتفيّ أو تشير الى أختي كأنك توصيني بها ..دائما أنت موجود لكن ما يحزن أنني أنا من لم أعد أستطيع الوصول ﺇليك ..أسمعك ولا أستطيع أن أحدّثك،أراك ولا أقدر أن أحتضنك.. كأنك النجم الذي يبعث نوره في كل ركن ولكنه لا يلمس ولا ﻴرى الا على البعد "
رفع القلم وهو يشعر أن صدره يموج بالانفعال ، وعاودته المشاعر الرائقة التي واتته وهو يقرأ ما كتبته الفتاة عن أبيها وانتظر لحظات حتى هدأ ثم ابتسم وقال في نفسه:
" لا زلت أكتب جيدا "
وعاد يتذكر سنوات مضت ومعارك خاضها بغية دراسة الصحافة التي يحبها منذ صغره- لم يخرج منها منتصرا أمام الضغوط ثم خلّفته الى عمل لا يحبه وان لم يعد يكرهه..
" لم ترحل..دعواتك لي لم ترحل..حنانك ونصحك وطاقة النور التي كنت تفتحها لي كلما ضاقت عليّ الدنيا ..فقط أريد منك أن تسامحني ان لم أكن بررت بك ما تستحق – وكيف لمثلك أن يوفى ما يستحق؟- أو ان كنت لم أدرك الا متأخرا أن شدتك عليّ أحيانا – وأنت الحليم – ما كانت الا في صالحي..أظن قلبك الذي اتسع لحنان أب وأم معا بعد رحيل أمي سوف يغفر لي ، وعزائي أنني أنفذ ما أوصيتني به في معاملة زوجتي – وهل تعلمت الحب واحترام شريكة العمر الا مما كنت تفعل مع أمي – وأنني أرعى أختي متلمسا خطاك في رعايتها ..وليتقبل الله دعواتي لك بالجنة وطيب المثوى "
راجع ما كتبه مرة أخيرة ثم أعاد كتابته بخط منمق في ورقة أخرى موقعا في ﺁخرها :
ابنك /....
فكر قليلا ثم كتب:
شريف علي عبد العظيم
فاجأه فتح عنيف لباب الغرفة والصوت الغاضب الذي صاحبه:
* ألم تسمع كل هذه النداءات؟ هل مت أم أصابتك غيبوبة ؟
ارتبك وطوى الورقة ودسها برد فعل تلقائي أسفل أحد الملفات على مكتبه ثم قال بصوت مضطرب:
- عفوا يا أبي كنت أنهي أوراقا للعمل..هل تريد شيئا مني؟
* عمل؟وماذا نأخذ من عملك الا الفتات ؟ المهندس فاروق ذهب الى الشركة..المهندس فاروق عاد من الشركة ..هذا كل ما أخذناه ، ليت أمك تأتي وترى ما صنعه تدليلها لك.
- رحمها الله
* ألم تعد زوجتك المصون بعد من بيت أبيها ؟ من يغسل ويكوي ثيابي اذن؟
- سوف أتولى أنا أمرها..
خرج الأب فأغلق الباب خلفه وهو يتنهد ويهز رأسه أسفا، ثم عاد الى المظروف وأخذ يكتب العنوان..

ليست هناك تعليقات: