٢١‏/٤‏/٢٠٠٨

شمس المسجد

يوم جديد
يومئ يستنشدني
أنشده عن سيفه الشجاع
وسيفه في غمده يأكله الصدأ !
وعندما يسقط جفناه الثقيلان ..
وينكفئ
أسير مثقل الخطى في ردهات القصر
أبصر أهل مصر
ينتظرونه..
ليرفعوا اليه المظلمات والرقاع!
شعر..أمل دنقل
قصيدة..من مذكرات المتنبي
ديوان..البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

طالما اعتبرت نفسي من المحظوظين منذ أن انتقلت للسكنى في بيت مواجه لذلك المسجد العريق ، فمن يومها وأنا أشعر أنني أعيش في رحابه التي تشع أمناﹰ وسلاماﹰ .. كلما دخلته وشاهدت زخارفه واستنشقت عبقه أحسست أنني أسافر في رحلة عبر الزمن مستعيدا تاريخه الطويل الذي يعود لفترة الفتح اﻹسلامي ، وكثيرا ما شعرت أن أشعة الشمس التي تمر من فتحات شرفاته لها لون ودفء لا أراه في أي مكان ﺁخر..عاودتني نفس المشاعر وأنا أدخل المسجد لصلاة الجمعة ، أديت ركعتي التحية واتخذت مجلسي مستندﴽ إلى أحد الأعمدة منتظرﴽ صعود الشيخ (عبد الحكم) ﻔﺈذا بي أرى رجلا ﺁخر لا أعرفه يأخذ مكانه على المنبر ..ملت على الجالس الى جواري وكنت أعرفه ﺇذ كان يملك متجرا في نفس الحي وسألته فقال ﺇنه لا يعرف الرجل وﺇن كان قد رﺁه مرة مع الشيخ (عبد الحكم) يحمل عنه حاجياته ، فخمّنت أن المرض قد اشتد على الشيخ – وكان قد بدا عليه في اﻵونة الأخيرة – وأن هذا الرجل ذا البشرة القمحية والملامح الصارمة سوف ينوب عنه في أداء خطبة هذه الجمعة ..
بدأ الرجل خطبته بالصلاة والسلام على النبي والديباجات المعتادة ثم أخذ يتحدث في أمور شتى لم أر بينها رابطا.. تارة عن طاعة أولي الأمر وتارة عن الهجرة وتارة عن العبادات، ولا يقول في كل موضوع إلا كلمات تافهة يعرفها أجهل الناس بل ويقول نقيضها بعد حين، وزاد الطين بلة ركاكة أسلوبه وأخطاؤه اللغوية الساذجة وﺇن كان يملك صوتا جهوريا وحماسا واضحا لما يقول ، لكن ما أثار دهشتي هم هؤلاء الرجال في الصفوف الأولى فلم يكونوا من مرتادي المسجد أو أهل المنطقة وكان الواحد منهم يرفع صوته سعيدا وطروبا بما يقوله الشيخ الجديد كأنه جوامع الكلم ..
"ما شاء الله ..زدنا من علمك يا مولانا..علّمنا مما علّمك الله"
أخيرﴽ أقيمت الصلاة فانتظمت في أحد الصفوف في وسط المسجد وبدأ الرجل في التلاوة فقرأ الفاتحة ثم ﺁيات من سورة النور ﻔﺈذا به يخطئ في القراءة فانتظرت أن يردّه الواقفون في الصف الأول فلم يفعل أحد فبدأت أجهر باﻵيات لكنه أكمل على خطئه فرفعت صوتي لأقصى ما استطعت فلم يفد شيئا وركع اﻹمام فركعت ثم سجد وقام للركعة الثانية وبعد الفاتحة بدأ يقرأ واحدة من قصار السور فقلت في نفسي إنه أدرك الخطأ وﺁثر السلامة لكنه أخطأ فيها أيضا وحدث ما حدث في الركعة الأولى ، وأردت بعد انتهاء الصلاة أن أذهب اليه وأناقشه فيما حدث ، فوجدت رجال الصفوف الأولى يحيطون به كالسياج ويتحدثون اليه بود وإكبار وتصلني منهم كلمات :
" لا تتركنا يا مولانا ..لا تبخل علينا بعلمك .."
فقدّرت أنني لن أتمكن من الوصول اليه وبدأت أتحدث مع مرتادي المسجد ونحن في طريق الخروج عن الرجل فقال أحدهم إنه يبدو من كبار العلماء ومتعمقا في ما يقول وان كان هو لم يفهم مما قاله الشيء الكثير ، بينما اكتفى ﺁخرون بالصمت وبدا عليهم عدم الرضا لكنهم أسرعوا الى السعي على أرزاقهم . ولدى الباب وبينما كنت أنحني لأنتعل حذائي ﺇذا بجماعة من الرجال تحيط بي كمّمني أحدهم وتعاونوا جميعا على شد وثاقي ثم سمعت صوتا من خلفي يصيح ﺁمرﴽ:
خذوه !عرفت فيه صوت أحد رجال الصف الأول ، واقتادني الرجال وسط مقاومتي اليائسة الى مكان مجهول لا أثر فيه للشمس..

ليست هناك تعليقات: